في ما يلي النص الكامل للخطاب الملكي الذي تلاه أمام القمة وزير الشؤون الخارجية والتعاون السيد سعد الدين العثماني.
"الحمد لله٬ والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني٬ أمير دولة قطر٬ رئيس القمة الرابعة والعشرين لمجلس جامعة الدول العربية٬
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي٬
معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية٬
حضرات السيدات والسادة٬
يطيب لنا في البداية٬ أن نتوجه بالتهنئة الخالصة لأخينا صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني٬ أمير دولة قطر الشقيقة٬ على رئاسته لهذه القمة٬ متمنين له كامل التوفيق والسداد في تسيير أعمالها٬ وآملين أن تتمخض عنها نتائج ملموسة٬ تسهم في تعزيز عملنا العربي المشترك ومسيرتنا التنموية٬ كما نعرب لسموه وللشعب القطري الشقيق عن جزيل الشكر على كريم استضافته لهذه القمة وعلى حسن تنظيمها.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي٬
حضرات السيدات والسادة٬
في ظل تفاقم الوضع في سوريا الشقيقة٬ وتصاعد الانعكاسات السلبية الخطيرة للأزمة على دول المنطقة بأكملها٬ لا يسعنا إلا أن نعبر عن شجبنا لأعمال العنف والتقتيل التي يتعرض لها إخواننا السوريون العزل٬ وأن نؤكد بإلحاح على ضرورة تضافر كل الجهود٬ للتوصل إلى الوقف الفوري لهذه الأعمال الهمجية٬ وإلا ستستمر دوامة العنف واتساع رقعتها مع حصد المزيد من أرواح المدنيين الأبرياء لاسيما مع الاستعمال المحتمل واللامقبول لأسلحة فتاكة.
ومن أجل التخفيف من وطأة الأزمة على الشعب السوري الأبي٬ أولى المغرب الجانب الإنساني أهمية قصوى٬ حيث تم إقامة مستشفى ميداني في الأردن الشقيقة٬ علاوة على تقديم مساعدات إنسانية مباشرة لفائدة اللاجئين السوريين٬ في كل من الأردن وتركيا٬ وكذا المساهمة بمبلغ أربعة ملايين دولار في مؤتمر المانحين٬ الذي استضافته دولة الكويت الشقيقة.
وفي هذا السياق٬ استضاف المغرب اجتماعا وزاريا ل "مجموعة أصدقاء الشعب السوري" أفضى إلى تعزيز العمل والدور الرائد للائتلاف الوطني السوري.
وفي إطار التنسيق والتشاور مع بقية أعضاء مجلس الأمن وجميع القوى الدولية الفاعلة والمؤثرة٬ سيواصل المغرب كذلك٬ جهوده من أجل الدفع لالتآم المكونات والتيارات السياسية السورية٬ لتجنب اندثار المجهودات المبذولة٬ وتنسيقا للتدابير الميدانية المتفرقة المتخذة٬ خدمة لانشغالات وحاجيات الشعب السوري الشقيق في نضاله من أجل الحرية٬ إيمانا منه بأن التأطير المسؤول والموحد للأعمال داخل التراب السوري هو السبيل الأنجع لضمان حقوقه وتطلعاته المشروعة٬ للمضي قدما في مسار الانتقال السياسي المنشود٬ وبناء دولة المؤسسات الشرعية٬ مع الحفاظ على استقرار هذا البلد الشقيق ووحدة أراضيه.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي٬
حضرات السيدات والسادة٬
في سياق هذه التطورات المعقدة والاضطرابات المتعددة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط٬ تظل القضية المصيرية والجوهرية للشعب الفلسطيني في الطريق المسدود٬ حيث تراوح وضعيته الصعبة٬ مع الأسف٬ مكانها٬ ما دامت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة٬ تصر على نهج سياسة تكريس الأمر الواقع٬ خارقة بذلك للشرعية الدولية٬ ومتجاهلة لكل التزاماتها الموثقةº ومنتهكة أيضا لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي٬ على نطاق واسع٬ وفي رفض عنيد لأي استجابة لجهود ومبادرات السلام.
ويظل الخيار الأمثل لمواجهة التعنت الإسرائيلي٬ هو توحيد كلمة إخواننا الفلسطينيين٬ ورص صفوفهم٬ عبر تحقيق المصالحة الفلسطينية.
وفي هذا الإطار٬ نرحب بكل الاتصالات القائمة٬ وندعم الجهود المبذولة لإنجاح الحوار البناء٬ القائم بين أبناء فلسطين º كما نؤكد تجاوبنا الإيجابي مع نداء القوى الفلسطينية للدفع من أجل تحقيق هذا التوجه الوحدوي والعمل على إنجاحه.
ومن منطلق المسؤولية الملقاة على عاتقنا٬ كرئيس للجنة القدس٬ فإننا لن ندخر أي جهد لمواصلة مساعينا الحميدة لدى جميع الأطراف الوازنة على الساحة الدولية٬ لوضع حد لسياسات الحكومة الإسرائيلية٬ الهادفة إلى تهويد القدس الشرقية٬ وإلى طمس هويتها. وفي هذا الصدد٬ تجدر الإشارة إلى ما تنجزه "وكالة بيت مال القدس الشريف"٬ من مشاريع ميدانية لفائدة ساكنة المدينة المقدسية.
إن خيار السلام لا رجعة فيه٬ كما أن مبادرة السلام العربية لا محيد عنها٬ إذ يتوجب علينا٬ اليوم أكثر من ذي قبل٬ اتخاذ مواقف واضحة وحازمة٬ تندرج ضمن إستراتيجية مشتركة وفعالة٬ لضمان حق الشعب الفلسطيني المشروع في إقامة دولة مستقلة على حدود 1967٬ وعاصمتها القدس الشريف.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي٬
حضرات السيدات والسادة٬
إن التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه عالمنا العربي٬ تحتم علينا تكثيف الجهود٬ والتنسيق والتعاون للنهوض بعملنا المشترك٬ بغية تحقيق آمال شعوبنا العربية في التنمية والتقدم٬ من خلال تشجيع مقاربة شاملة وتشاركية٬ تشكل قاطرة للدفع بالعمل العربي المشترك نحو تحقيق أهدافه الإستراتيجية المثلى.
ولا يفوتنا٬ في هذا الشأن٬ التنويه بمبادرة أخي صاحب الجلالة حمد بن عيسى آل خليفة٬ عاهل مملكة البحرين الشقيقة٬ بإنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان٬ لتكون إحدى الآليات القانونية التي سيوكل لها دعم وتطوير العمل العربي المشترك٬ على مستوى حقوق الإنسان٬ وذلك لمواكبة الجهود الدولية المبذولة في هذا المجال٬ للإرتقاء بحقوق الإنسان في مختلف تجلياتها.
وبموازاة ذلك٬ نؤكد على ضرورة متابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بخصوص برامج واستراتيجيات الأمن الغذائي والمائي٬ الذي يعتبر أحد التحديات العربية الراهنة والمستقبلية. ونخص بالذكر مشروع البرنامج الطارئ للأمن الغذائي العربي٬ وإستراتيجية الأمن المائي في المنطقة العربية٬ والذي ينسجم مع توجهاتنا الوطنية في هذا المجال الحيوي.
وفي هذا الصدد٬ فقد أطلقت المملكة المغربية٬ سنة 2008٬ مخطط المغرب الأخضر٬ الذي يرتكز على تنفيذ 960 مشروعا في إطار الفلاحة العصرية٬ باستثمارات تقدر بنحو 9ملايير دولار. كما قامت المملكة بإعداد البرنامج الوطني لاقتصاد مياه الري٬ الذي يهدف إلى الحد من ندرة الموارد المائية وتحسين طريقة استعمالها للأغراض الفلاحية٬ خلال الفترة 2008-2020. وتدعيما للجهود الوطنية والعربية في هذا المجال٬ نولي أهمية خاصة لإحداث المركز العربي للدراسات الإستراتيجية والأبحاث المائية٬ يكون مقره بالمملكة المغربية.
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي٬
حضرات السيدات والسادة٬
إننا معنيون٬ كل حسب موقعه٬ وكل حسب إمكانياته٬ بمستقبل المنطقة العربية٬ التي نتطلع جميعنا إلى أن تنعم فيها دولنا بالنمو الاقتصادي الخلاق٬ وبمبادئ الديمقراطية والحكامة الجيدة والعدالة الاجتماعية. ولن يتأتى تحقيق هذه الغايات المثلى٬ إلا بتعزيز وتضافر الجهود لاندماج أمثل بين الدول العربية ولاسيما بين الدول المغاربية.
وإننا لمطالبون اليوم بتكثيف الجهود للحفاظ على المكتسبات التي حققناها٬ وتعزيزها بشكل دائم يساهم في الدفع قدما نحو المزيد من حسن تدبير الإمكانيات الطبيعية وتنمية الطاقات البشرية٬ التي يزخر بها العالم العربي والتي تؤهله ليكون أحد الأقطاب السياسية الفاعلة في الساحة الدولية وأحد التكتلات الاقتصادية الناجحة٬ والمساهمة بفعالية في الاقتصادي العالمي.
وفي الختام أجدد الشكر لأخينا صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني٬ وإلى حكومة وشعب دولة قطر الشقيقة على ما بذل من جهد لإنجاح أعمال قمتنا هذه٬ راجيا من العلي القدير أن يوفقنا جميعا لما فيه خير وصلاح أمتنا العربية المجيدة٬ وما يلبي التطلعات المستحقة لشعوبها.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".