" الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
فخامة الرئيس عبد الله واد، رئيس القمة، معالي السيد عبد الله أحمد بدوي، رئيس وزراء ماليزيا، ورئيس الدورة العاشرة لمؤتمر القمة الإسلامي، أصحاب الجلالة والفخامة، والسمو والمعالي، سعادة الأمين العام، الأستاذ أكمل الدين إحسان أوغلي، حضرات السيدات والسادة، يطيب لنا أن نشارك في هذه القمة المباركة، المنعقدة، مجددا، بالسنغال، البلد الإفريقي الشقيق. الذي تجمعنا بشعبه الأصيل، وبرئيسه المبجل، أخينا العزيز عبد الله واد، روابط أخوية وثيقة. وإننا لنعرب عن خالص تشكراتنا، على كريم ضيافته، واثقين أنه، بفضل حكمته والتزامه، فإن التوفيق سيكون حليفه، في رئاسته لمنظمة المؤتمر الإ سلامي. كما أشيد بالأعمال الجليلة، التي قام بها رئيس دورتها السابقة، معالي الأخ عبد الله أحمد بدوي، وكذا سيادة الأمين العام، لنصرة قضايا المسلمين.
وإننا لعلى يقين من أن قمة دكار، ستعطي دفعة قوية، لتفعيل برنامج العمل العشري لمنظمتنا، مؤكدين انخراطنا في ترسيخ التوجه الإصلاحي الشامل، المنبثق عن قمة مكة المكرمة، وذلك بفضل ما عهدناه في أخينا الأعز، خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله، من حكمة وشهامة، وغيرة صادقة، على وحدة الأمة ونصرة قضاياها، وبذلك نظل أوفياء لروح "قمة الرباط" الرائدة، التي أسست منظمة المؤتمر الإسلامي، بهدف تفعيل التضامن بين أمتنا، والدفاع عن مقدسات الأمة، وقضاياها العادلة، تلكم الأهداف الثابتة، التي يجب أن ندعمها بآليات ناجعة، تقوم على الشورى والإجماع والوحدة، كمبادئ إسلامية، وتعتمد التحديث الشامل، اندماجا اقتصاديا، وتنمية بشرية، ونهضة ثقافية، تحصينا لسيادة بلدانها، ووحدتها الوطنية والترا بية، من مخا طر التجزئة والتشرذم.
وبعد مرور أربعة عقود، على قيام منظمتنا، فإنه من الإنصا ف، الاعتراف بما قطعناه من خطوات، على درب العمل الإسلامي البناء، بيد أن تضاعف التحديات، وتراكم الإحباطات بسبب الخلافات المفتعلة، وتوالي النكسات، واتساع التفاوتات، كل ذلك يقتضي المزيد من تضافر الجهود، وتعبئة الطاقات، لإ نجاز نقلة نوعية، كفيلة بتعزيز المكتسبات، ورفع التحديات الحقيقية للأمة، ولاسيما في ظل اكتساح العولمة الشرسة.
ولعل في مقدمة تلكم التحديات، التعثر في تجسيد وحدة الأمة، حتى تكون كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا، وهذا ما يتطلب نبذ كل أسباب النزاع والتجزئة، وتوحيد الصفوف، وتسخير الطاقات، لتوطيد التنمية والاستقرار.
وفي عالم صار فيه الإرهاب هو حرب العصر، ضد كل القيم الإنسانية المثلى، فإننا نجدد إدانتنا المطلقة، لكل أعماله الإ جرامية، ونزوعاته الظلامية والتكفيرية.
كما نستنكر بشدة، المس بمقدسات الإسلام، الذي يعد را ئدا في تكريس كونية كرامة الإنسان، وترسيخ الحوار والتفاعل، بين الأديان والحضارات، في نطاق الا حترام المتبادل، وهذا ما يدعونا جميعا، لاعتماد استراتيجية شمولية، لمحاربة الإرهاب، تقوم على التنسيق والتعاون الإقليمي والدولي، في التزام بسيادة القانون، وسلطة القضاء، وكذا بانتهاج مخطط إعلامي وثقافي متنور، لتوعية الرأي العام، فالإ سلام الحق براء من الإ رهاب، الذي يعد المسلمون ضحية مزدوجة له، فهم المستهدفون أساسا بعدوانيته، وهم المتهمون به، دون غيرهم، علما بأن الأ صولية المتطرفة، لا تنحصر في دين أو وطن.
ويظل التحدي الثاني هو توطيد دعائم التضامن الإسلامي، بشراكة اقتصادية ناجعة، قوامها تنشيط تجارتنا البينية، في أفق إنشاء منطقة للتبادل الحر، داخل فضائنا الإسلامي، عمادها تكامل مواردنا البشرية والطبيعية والمالية، وتسخيرها للتنمية المستدامة، بالحكامة الجيدة، واستثمارها في مشاريع اجتماعية، تجد شعوبنا أثرها الملموس، في مواطنة كريمة ومسؤولة، بدل تبذيرها في تغذية نزوعات التجزئة ومصطنعاتها الوهمية، المهددة لحوزة الأوطان، وحرمة الجيران. في تناقض مكشوف مع وحدة الأمة، ومبادئ الإسلام.
والمغرب، إذ يرفض هذه التوجهات الهدامة، فإنه لن يدخر وسعا، في مواصلة بناء شراكة مثمرة مع أشقائه، ووضع خبرته المكتسبة، في مجال التنمية البشرية، تعزيزا للتعاون الإسلامي مع بلدان القارة الإفريقية، بإمكاناتها الغنية والواعدة.
وفي هذا الصدد، نشيد بإقامة صندوق خاص، للحد من الفقر، باعتباره آلية لتوفير التمويل، اللازم لسد العجز الاجتماعي، في الفئات والمنا طق الأشد خصاصة، ولن يصلح حال هذه الأمة، إلا باعتماد أنظمة جيدة للتربية والتكوين، هدفها تأهيل شبابنا، رجالا ونساء على حد سواء، لامتلاك وتقاسم العلم والمعرفة، والتكنولوجيات الحديثة للاتصال، تقليصا للفجوة الرقمية، واستثمارا لمواردنا البشر ية المؤهلة، غايتنا جعلها قاطرة للتنمية المستدامة.
أصحاب الجلالة والفخامة، والسمو والمعالي، في خضم انشغالنا بأحوال الأمة، نؤكد تضامننا مع شعوب شقيقة في محنتها، ولاسيما في العراق ولبنان، والسودان والصومال وأفغانستان، وغيرها، داعين إياها إلى انتهاج أفضل السبل، الكفيلة بتثبيت سلطتها الوطنية، وتوطيد وحدتها، وأمنها واستقرارها.
والأدهى والأمر، أن مأساة الشعب الفلسطيني قد استفحلت بمضاعفات خطيرة، وأعمال عدوانية إسرائيلية، وما أحوج مكوناته إلى انتهاج مصالحة توافقية صلبة. وسيظل المغرب وفيا لمساندته الصادقة، للسلطة الوطنية الفلسطينية الشرعية، بقيادة أخينا المناضل، الرئيس محمود عباس، معربين عن دعمنا لتوجهها السلمي، من أجل إقامة دولة مستقلة، ذات سيادة، قابلة للعيش على كل المستويات، وعاصمتها القدس الشريف، تعيش في وئام وسلام، مع كافة جيرانها،. وذلك طبقا لمقررات الشرعية الدولية، وكل مخططات التسوية الشاملة والعادلة والنهائية لنزاع الشرق الأ وسط.
وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، فإننا نبذل قصارى جهودنا، لدى المجتمع الدولي للمحافظة على الوضع القانوني لهذه المدينة المكلومة والدفاع عن هويتها الحضارية، ورموزها الدينية المقدسة، من الأعمال العدوانية، وفي طليعتها، الحفريات، وكل الانتهاكات التي تمس بحرمة المسجد الأقصى، وبقدسيته في مشاعر المسلمين.
وبموازاة مع مساعينا الديبلوماسية، فإننا نعتمد مقاربة عملية تتولى فيها وكالة بيت مال القدس الشريف، بإشرا فنا الشخصي، إنجاز مشاريع ملموسة، سكنية وصحية، وتعليمية واجتماعية لفائدة إخواننا المقدسيين، مناشدين كافة الدول والهيآت، أن تبذل المزيد من الدعم لها.
أصحاب الجلالة والفخامة، والسمو والمعالي، إن رفع هذه التحديات الجسام، إن كان يتطلب منا تقوية آليات عمل منظمتنا، فإن ذلك ينبغي أن يتم في إطار ميثاق موحد، يجسد روح التوافق والإجماع، ويمكن منظمتنا من أداء مؤسسي، أكثر حيوية ومصداقية، وذلكم هو النهج القويم لجعل أمتنا الإسلامية، تأخذ المكانة الجديرة بها في عالم التكتلات الدولية القوية، التي لا مكان فيها للكيانات الهشة.
والله ولي التو فيق والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.