"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
أصحاب السماحة والنيافة والسعادة
حضرات السيدات والسادة
تغمرنا مسرة كبيرة بمخاطبتكم في افتتاح هذا المؤتمر الدولي الذي ينعقد لبحث قضية حماية المقدسات الاسلامية والمسيحية في فلسطين.
ونود في البدء أن نعرب عن فائق ترحيبنا بكم ضيوفا كراما في عاصمة مملكتنا وأن نعبر عن بالغ تنويهنا بالمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة لدعوتها الى هذا اللقاء الهام ولما تقوم به من أعمال جليلة وما تنهض به من جهود حميدة.
كما نود أن نبرز مدى الاهتمام الذي نوليه انطلاقا من رئاستنا لجنة القدس للموضوع الذي تلتئمون لدراسته باعتباره يشكل جانبا أساسيا من انشغالنا بتحرير الاراضي الفلسطينية والحرص على أماكن العبادة فيها وسائر معالمها الدينية ومآثرها التاريخية وحفظها من الهدم والتخريب والتحريف والتشويه.
لقد من الله على هذه البقاع بأن جعلها موطن كثير من الانبياء والرسل الذين بعثهم لهداية البشر وأتم منته بأن أسرى بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في معجزة باهرة من المسجد الحرام بمكة المكرمة الى المسجد الاقصى المبارك ببيت المقدس دليلا على اكتمال دعوة التوحيد وما تهدف إليه من إعلاء كلمة الايمان والعدل والحق ومناهضة الشرك والظلم والباطل ونشر قيم التعارف والمحبة والسلام بين عباده المومنين والناس كافة.
وذلكم ما أحظى فلسطين باحتضان أماكن دينية كثيرة تأتي في طليعتها مقدسات اسلامية ومسيحية عديدة تكفى الاشارة منها الى المسجد الاقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة في بيت المقدس والحرم الابراهيمي في الخليل وكنيسة المهد في بيت لحم حيث مولد السيد المسيح عيسى عليه السلام.
أمام هذه الحقيقة التي تجعل من عدة حواضر وقرى فلسطينية مواقع لها مكانتها عند المسلمين والمسيحيين ما برحت سلطات الاحتلال الاسرائيلي في سياق اعتدائها المتواصل على الشعب الفلسطيني بجميع طوائفه الاسلامية والمسيحية تعمل على سلوك سياسة التهويد تمارسها على مختلف المعالم والمآثر والمقدسات.
وقد بدأت هذه السياسة مواكبة لقرار التقسيم عام ثمانية وأربعين بقصف المسجد الاقصى وتعرضه من جراء ذلك لأضرار وتصدعات. ثم توبعت إثر احتلال القدس الشريف عام سبعة وستين حين اقتحم الاسرائيليون المسجد واستباحوا حرمته ممهدين السبيل لاحراقه عام تسعة وستين. وهو الحادث الاليم الذي كان حث والدنا جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله على الدعوة لعقد المؤتمر الإسلامي بالدارالبيضاء في العام نفسه.
واستمرت هذه التصرفات العدوانية متمثلة في التدابير التحصينية التي اتخذتها السلطات الاسرائيلية في المدينة المقدسة من خنادق وأسوار ومراكز مراقبة عسكرية إضافة إلى تطويقها بعدد من المستوطنات وإلى عزلها عن المدن والمناطق المجاورة وكذا الى مصادرة الممتلكات العربية.
وإن هذه الإثارة لمشاعر المسلمين والمسيحيين لتقوى بما تقوم به قوات الاحتلال للمس بحرمة الأماكن المقدسة ولاسيما في الأقصى بالتطاول على اوقافه وهدم الأحياء المجاورة له وإجلاء سكانها وحفر الأنفاق تحته وإجراء حفريات. وهي لا تكتفي بهذا الاعتداء ولكن تزيد فتسعى لدى المحافل الدولية الى تسجيل غير قليل من المعالم والأثار والمقدسات باعتبارها تراثا يهوديا وهو ما تفعله كذلك بالقطع الأثرية التي يتم نقلها من مواقعها الأصلية الى المتاحف الإسرائيلية.
أيها السادة..
إن هذه الاعمال التدميرية والتشويهية التي تقوم بها سلطات الاحتلال والتي تزيف بها معطيات التاريخ وحقائقه تلحق أضرارا فادحة وخطيرة بالمقدسات الاسلامية والمسيحية وتهتك الحرمة التي ينبغي أن تكون لها ولما تجسمه من قيم لدى جميع الموءمنين من مختلف الديانات.
وهي بهذا أعمال إجرامية يدينها القانون الدولي وترفضها الشرعية الدولية من خلال قرارات مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة وكذا قرارات الموءتمر العام لليونسكو وغيره من الموءتمرات العالمية المعنية التي تعتبر هذه الممارسات اعتداء على البشرية عامة نظرا لأن المقدسات الاسلامية والمسيحية الفلسطينية تشكل تراثا إنسانيا ثمينا ورفيع القدر إلى جانب اعتبارها أماكن للعبادة ومآثر للاعتبار ومواقع تخلد ذكريات ومواقف هي جزء من التاريخ الديني للمنطقة.
لذا فإنه سيكون على موءتمركم الموقر أن يستعرض هذه المقدسات الاسلامية والمسيحية ويستحضر تاريخها ويبرز الأوضاع المفجعة التي تعانيها تحت وطأة الاحتلال الاسرائيلي وينبه إلى المخاطر التي تهددها في الحال والمآل ويوعي بالمسوءولية التي يتحملها المسلمون والمسيحيون في مختلف أنحاء العالم والدور الذي عليهم ان يقوموا به لحماية هذا التراث الديني المشترك.
وإن من شأن هذا الموقف الحازم والحاسم أن يثير اهتمام المجتمع الدولي ويهز الضمير الإنساني عبر الدول والحكومات والمنظمات والموءسسات للقيام بتحرك سريع على الصعيد العالمي يهدف إلى حماية المقدسات الفلسطينية وانقاذها مما تتعرض له من إتلاف وتزييف.
وعلى الرغم من أن الأحداث المأساوية التي تفرض مقاساتها على الشعب الفلسطيني الصامد منذ شهور والتي تواجهها المقاومة بشجاعة وبسالة والتي ما فتئنا ندينها بقوة وشدة تستنفد جهودا وطاقات وتخلف محنا وفواجع فإنها لن تصرف الفلسطينيين عن صد المحاولات الإجرامية الرامية إلى مواصلة التهويد والعبث بالمقدسات والاستخفاف بها. والسبب أن هذه المحاولات هي إجراءات عدوانية استفزازية وأنها تمثل أحد أشكال الاعتداءات المتوالية عليهم وأن من شأنها إن لم يجعل لها حد أن تزيد الوضع تصعيدا وتأزما وحدة وأن تضعف الأمل في السلام وتقلل حظوظه، ذلكم السلام الذي لا نرى إمكان حلوله في المنطقة إلا بإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يقر بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف، وهو ما سيتحقق بإذن الله وعونه.
وفقكم الله وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".