"الحمد لله،
والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
صاحبي الجلالة ،
أصحاب السمو الملكي،
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة ،
اسمحا لي يا صاحبي الجلالة، أن أعرب لكما عما يخالجني من عظيم الابتهاج والسعادة، وأنا أستقبلكما في هذه اللحظة المأثورة التي يغمرني فيها سرور لا يعادله إلا عمق مشاعر المودة التي أكنها لكما، يا صاحبي الجلالة ، والتي ما فتئتما تبادلاني اياها بحرارة وصدق.
كما أود أن أعبر لكما من جديد عما يساور المغرب ملكا وشعبا من مشاعر التقدير والتعاطف مع المملكة الإسبانية البلد الجار والصديق الذي تربطنا به أوثق الأواصر التاريخية والإنسانية والثقافية.
فبفضل العلاقة المتميزة التي كانت تربط جلالتكم بوالدي المعظم ، جلالة المغفور له ، الملك الحسن الثاني ، طيب الله ثراه ، وبفضل ما نتقاسمه من مشاعر الصداقة عرف بلدانا كيف يحافظان على الحوار البناء والثقة المتبادلة ، بالرغم من العوارض السياسية العابرة.
لقد انخرطت إسبانيا والمغرب في هذه الدينامية وقطعا معا منذ توقيعهما على معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار سنة 1991، شوطا هاما في اقامة شراكة على أوسع نطاق. ولا يسعني في هذا الصدد الا ان أعبر عن اشادتي بالحصيلة الايجابية التي أثمرها التعاون بين بلدينا مبوئا إسبانيا مكانة الشريك الاقتصادي المتميز للمغرب.
كما أن التجليات العفوية للتضامن المتبادل بينهما في بعض الظروف الانسانية القاسية لتعد شاهدا حيا على عمق العلاقات التي تربط بين شعبينا.
لذا يتعين علينا ، ياصاحب الجلالة ، بذل كل ما في وسعنا لاستثمار ما لدينا من مقومات غنية، وما حققناه من مكتسبات ثابتة من أجل الارتقاء بعلاقاتنا المتميزة إلى مستوى شراكة استراتيجية حقيقية. شراكة متعددة الأبعاد، قائمة على ميثاق للثقة منفتحة على تنوع الفاعلين، معززة بآليات متجددة. شراكة في مستوى الدور الجدير بإسبانيا والمغرب أن يقوما به في المنطقة الاورومتوسطية ، بحكم موقعهما كنقطة للالتقاء والتبادل في المنطقة وعليه فقد أضحت كافة الشروط مواتية للتفاهم والوئام من أجل كسب هذا الرهان الكبير.
إنني ياصاحب الجلالة لعلى يقين تام من أننا بحكم وتيرة الأعمال التي ننجزها معا وفق تصور طموح للمستقبل ، سنتمكن من التوفيق المنسجم والدائم بين ما تقتضيه متطلبات السيادة والأمن والتنمية.
إن تعميق التفاهم بين شعبينا يقتضي حتما تحسين نظرة كل منا للآخر، واجتثاث الأحكام المسبقة تجاه بعضنا البعض والتصدي لعوامل الخلط الهدامة.
وأنوه في هذا المقام بنوعية برامج التعاون الثقافي الحالي وبتفعيل لجنة ابن رشد، بتركيبتها الجديدة.
كما أود ان أشيد بإحداث جامعة جديدة بمدينة تطوان تعتمد العربية والاسبانية كلغتين أساسيتين للتدريس والبحث وكذا اعطاء انطلاقة " سنة إسبانيا بالمغرب" اليوم والتي تحل قبل تظاهرة "سنة المغرب في إسبانيا" المتوقع تنظيمها في سنة 2006 .
صاحبي الجلالة ،
اننا نثمن عاليا النشاط والحركية اللذين أبانت عنهما منظمات المجتمع المدني في المجال التنموي. كما أننا نشجع المجموعات الجهوية ذات الحكم الذاتي والجهات المغربية على الاضطلاع بدورها كاملا في هذا المجال مستفيدة من ما يتيحه تنويع الفاعلين المنخرطين في شراكتنا .
وأود من جهة أخرى أن أرحب بتعهد إسبانيا بالرفع من مساعدتها المالية في إطار التعاون في دعم التنمية، بل إن الطابع النموذجي للتجربة الاسبانية في مناطقنا الشمالية التي تتصدر قائمة الأولويات تجعلنا نتطلع إلى ان يمتد هذا النوع من التعاون إلى جهات أخرى من المملكة .
ولايفوتني أن أنوه بتضافر جهود حكومتينا من أجل تشجيع ومواكبة وتطوير العلاقات بين أوساط رجال الاعمال المغاربة والاسبان. فبفضل الاصلاحات الاقتصادية العميقة التي دشنها المغرب أصبحت فرص الشراكة بين الفاعلين الاقتصاديين في بلدينا فرصا حقيقية متنوعة ومفيدة للجانبين سواء تعلق الأمر بالأنشطة الفلاحية أو الصناعة الغذائية أو بالصيد البحري أو السياحة أو الصناعة أو بالتكنولوجيا المتطورة.
كما أننا نهنيء أنفسنا على ما حققناه من تعاون بين بلدينا لمنع الهجرة السرية ومحاربتها بالفعالية المرجوة من الجانبين وعلى الارادة المشتركة لبلدينا لتدبير تدفق المهاجرين وفق تصور يتوخى الحفاظ على التوازنات بين متطلبات الاطار القانوني الثنائي سواء تعلق الأمر بالهجرة الشرعية أو باعادة ترحيل المهاجرين السريين إلى أوطانهم الاصلية.
علاوة على ذلك فاننا نسجل التقدم الملموس الذي عرفته أعمال اللجنة المختلطة "للربط القار بين أوروبا وافريقيا عبر مضيق جبل طارق " وهو مشروع كفيل بتوثيق التقارب بين بلدينا في اطار السياسة الاوربية الجديدة للجوار .
صاحبي الجلالة،
إن من شأن إيماننا بتحقيق مصيرنا المشترك ووعينا بالطابع الخاص الذي تكتسيه شراكتنا وكذا تشبثنا بالقيم الكونية النبيلة للديمقراطية واحترام حقوق الانسان أن يجعلنا نكثف مشاوراتنا ونضاعف مبادراتنا المشتركة وذلك خدمة لبلدينا ودعما للسلم والأمن على الصعيدين الجهوي والدولي. وفي هذا الصدد فإننا نهنيء أنفسنا على التعاون الوثيق والعمل المشترك القائمين بين بلدينا الصديقين سواء في إطار المجهودات الدولية الرامية إلى القضاء على آفة الارهاب ومن خلال نشر قوات مشتركة في هايتي تحت أشراف الأمم المتحدة .
لقد اعربت يا صاحب الجلالة منذ أربع سنوات عن أملي في أن تمكننا شراكتنا من اغتنام الفرصة التاريخية المتمثلة في العمل سويا لاعطاء انطلاقة جديدة لمسلسل برشلونة على أسس متجددة. وهو المسلسل الذي سنخلد قريبا الذكرى العاشرة لاطلاقه .
واننا لنتطلع إلى ان يشكل تخليد هذه الذكرى فرصة سانحة لتقييم ما تم انجازه في هذا المسلسل بحيث يكون قادرا على الاضطلاع بدوره كاملا في جعل منطقنا منطقة سلام وأمن واستقرار وازدهار مشترك .
وفي إطار نفس التوجه النبيل ما فتيء المغرب يعمل من أجل ان يصبح المغرب العربي قطبا للاستقرار وشريكا وازنا لدى الاتحاد الاوربي. وكما تعلمون يا صاحبي الجلالة، فإن المغرب لم يدخر جهدا من أجل رفع العائق الذي يؤخر تحقيق هذا المشروع الكبير. إذ أبدى بلدنا دوما استعدادا كبيرا للتعاون مع الامم المتحدة من أجل إيجاد حل سياسي للنزاع المصطنع الذي فرض عليه، حل تفاوضي متفق عليه ونهائي وذلك لتمكين سكان الاقاليم الجنوبية من التدبير الذاتي لشؤونهم الجهوية في اطار احترام السيادة والوحدة الترابية والوطنية للمغرب .
ان حرصنا على ضمان السلم والاستقرار في المنطقة المتوسطية ليعتبر أيضا الركيزة الاساسية للعمل الذي ما فتئ المغرب يقوم به لتشجيع الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للنزاع في الشرق الاوسط . وان المغرب ليشيد في هذا الاطار بالجهود التي تبذلها المملكة الاسبانية في نفس الاتجاه وهي الدولة التي تجمعها بالعالم العربي روابط مثمرة وعلاقات صداقة متينة.
انكما تدركان، يا صاحبي الجلالة، مدى المكانة التي تحظون بها في نفوسنا وكذا الصداقة المتينة والخالصة التي يكنها الشعب المغربي لجاره الشعب الاسباني وهي المشاعر الصادقة التي تشكل رصيدا لا يقدر بثمن يتعين علينا معا ان نحافظ عليه وان نعمل على تنميته .
أدعوكم أصحاب السمو ، أصحاب المعالي ، حضرات السيدات والسادة، إلى الوقوف تكريما لصاحب الجلالة الملك خوان كارلوس الأول ولصاحبة الجلالة الملكة صوفيا .
والسلام عليكم ورحمة الله تعإلى وبركاته .