(تلى الرسالة السيد أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية)
"الحمد لله وحده،
والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
حجاجنا الميامين،
جريا على سنتنا الحميدة، يطيب لنا أن نخاطبكم اليوم، وأنتم على أهبة التوجه إلى الديار المقدسة، لأداء مناسك الحج، طبقا لما يقتضيه قيامنا بأمانة رعاية الشؤون الدينية لشعبنا الوفي، بصفتنا أميرا للمؤمنين، وحاميا لحمى الملة والدين، تعظيما لشعائر الله، وإظهارا للاحتفاء بالمقبلين على أداء المناسك والدعاء لهم.
فالحج عبادة العمر، وتمام الإسلام، وإكمال الدين، وفيه تجتمع كل شروط العبادة المثلى، من صدق النية في الإقبال على الله، وإظهار الخضوع لجلاله في الطواف والسعي والوقوف، والالتقاء بالمسلمين من كافة أرجاء المعمور، ليتعاونوا ويتضامنوا ويشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله على ما رزقهم وهداهم.
واعتبارا لما أضفاه الإسلام على هذه العبادة من تعظيم، ما فتئنا نسهر على رعاية وتيسير أداء مناسك الحج لمن استطاع إليه سبيلا، من رعايانا الأوفياء، ونتتبع بعناية ما ينفذه وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية من تعليماتنا السامية، الهادفة إلى توفير شروط الراحة، في كل المراحل التي يمر بها الحجاج في الحل والترحال، وأداء المناسك، بما يقتضيه ذلك من نقل وإسكان وإسعاف وتمريض وإرشاد وتوجيه وتأطير كامل، بما يضمن أداء هذا الركن العظيم على الوجه المطلوب، حتى يحقق كل حاج غايته ويبلغ مراده، ويعود إلى وطنه وأهله راضي النفس، بما أنعم الله تعالى عليه من حج مبرور وسعي مشكور.
فهنيئا لكم معاشر الحجاج، بما أكرمكم الله به سبحانه، لتكونوا من أولئك الذين استجابوا لدعوة ربهم، والفوز بالسعي والطواف في بيته العتيق، مهوى أفئدة المؤمنين والمؤمنات، والوقوف بعرفات، حيث ينهل الغفران والرضوان على عباد الرحمن، كما ينهل الغيث على الظمآن.
فكونوا رعاكم الله، ممن يغنمون ثواب هذه الفريضة وجزاءها، حيث الحج المبرور لا جزاء له إلا الجنة، كما قال جدنا صلى الله عليه وسلم "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه". واعلموا أن الحج فريضة للتحلي بالمكارم، والإكثار من الحسنات، والإقلاع عن السيئات، والمعاشرة بالإحسان، والتخلي عن كل ما من شأنه أن يفسد، لا قدر الله، مناسككم، لقوله تعالى "الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقون يا أولي الألباب" صدق الله العظيم.
فتجردوا، معاشر الحجاج، لأداء الطاعات، واملأوا بالذكر جل الأوقات. فالحسنات تزيد وتعظم بحسب الزمان وبحسب المكان. إذ لا أفضل من أداء العبادة في الحرمين الشريفين، بالمسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. حيث تتضاعف درجاتها وأجرها. واسترشدوا بما يقدمه فقهاؤنا إليكم في تلك البقاع من أحكام المناسك وشروطها، وتحلوا بخصال عباد الرحمن، في التسامح والتواضع والإنابة إلى الله، لتكونوا من الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات.
حجاجنا الميامين،
إننا نهيب بكم، وأنتم مقبلون على موسم عظيم من مواسم الإسلام، حيث يتوافد المسلمون من كل بقاع الدنيا، وتشتد الحاجة إلى الانضباط والالتزام، أن تتعاونوا فيما بينكم، ومع البعثات العلمية والإدارية والطبية الساهرة على راحتكم، وحسن سير مناسككم، حتى يكون أداؤكم لهذه الفريضة السامية على أحسن وجه، فكونوا نعم السفراء لبلدكم ولحضارتكم ولدينكم، في هذا الملتقى الإسلامي السنوي، الذي يجدر بالمسلمين أن يجعلوه موسما للتعارف والتواصل، والدعوة إلى الوسطية والتسامح، والوحدة والتآخي، وفي ذلكم فليتنافس المتنافسون. واعلموا أنها أيام معدودات سرعان ما تنقضي، وللصابرين المغتنمين فيها أجر عظيم.
كما نهيب بكم أن تحترموا كل الإجراءات والتدابير التي تتخذها المملكة العربية السعودية الشقيقة لتيسير إقامة الحجاج، وأداء مناسكهم على الوجه المطلوب، بتوجيهات من أخينا الأعز الأكرم، خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله وأطال عمره، عاهل المملكة العربية السعودية، وولي عهده أخينا العزيز، صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، رعاه الله، اللذين لا يدخران وسعا في تحسين ظروف الحج ومرافقه كل سنة، بما يثلج الصدر ويرضي الوافدين على تلك البقاع المقدسة.
حجاجنا الميامين،
لا يخفى عليكم مكان هذا الموسم المبارك وهو البيت الحرام، الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا، وأن زمانه وهو الشهر الحرام، هما المقام الذي تهب فيه نفحات الرحمن على عباده فضلا منه ونعمة. فتعرضوا لهذه النفحات، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لربكم في أيام دهركم لنفحات فتعرضوا لها"، وتذكروا، رعاكم الله، ما لوطنكم وعاهلكم عليكم من واجب الدعاء له، في سائر البقاع الطاهرة، والأماكن الربانية، فاسألوه سبحانه لنا دوام العافية والسداد، والتأييد والرشاد، للنهوض بمسؤولياتنا الدينية والدنيوية، وأن ينبت ولي عهدنا النبات الحسن، ولبلدكم دوام نعمة السلم والأمن والأمان، ولسائر بلاد المسلمين الاستقرار والسلام، وأن يرينا في شعبنا ما تقر به أعيننا، وأن يديم سبحانه وتعالى بيننا وبينه وشائج الولاء والإخلاص والوفاء، وأن يمطر شآبيب رحمته على والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، وعلى جدنا المقدس، جلالة الملك محمد الخامس، طيب الله ثراهما، وجزاهما عنا وعن المغرب خير الجزاء.
نسأل الله العلي القدير لكم السلامة في الذهاب والإياب، وأن يعيدكم إلى وطنكم وأهليكم مشمولين بالمغفرة ووافر الثواب، كما نسأله سبحانه دوام العفو والعافية، واستمرار ألطافه الخفية إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".