ايتها السيدات والسادة
يطيب لنا أن نتوجه إلى المشاركين في هذه الندوة المنعقدة بشراكة بين حكومة جلالتنا ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية لتدارس أبعاد قانون وسياسات المنافسة في المحيطين الأورومتوسطي والعالمي وما لها من آثار عميقة على مسار التنمية الاقتصادية والرخاء الاجتماعي وسيما في هذه المرحلة التاريخية التي تشهد فيها الساحة الدولية تحولات متسارعة في ميادين التكنولوجيا والاتصالات والمعلوميات. هذه التحولات التي ترسخ مسلسل عولمة الإنتاج والتبادل والتمويل متجاوزة الحدود المرسومة للاقتصاديات الوطنية موحدة للمرجعيات في مناهج التدبير وأخلاقيات السلوك والمعاملات. وقد أصبح واضحا أن عهود أنظمة العزلة الاقتصادية ومذاهب الاكتفاء الذاتي قد ولت لتحل محلها طموحات الانفتاح والتبادل وعيا من الدول والشعوب بأن توزيع العمل الدولي ستتحكم فيه استقبالا عوامل التنافسية والميزات النسبية وترجيح كفة تبادل المنافع والمنتوجات والخدمات وذلك على أساس مراعاة المصالح المتبادلة والاستباق إلى الإبداع والجودة والتفوق.
ايتها السيدات والسادة..
إن من شأن هذه التحولات أن تفتح أمام البلاد النامية فضاءات هائلة للتقدم والتنمية إن هي عرفت كيف تحسن اغتنام ما توفره لها من فرص وتتلافى ما تنطوي عليه من مخاطر تهدد التوازنات المجالية والاجتماعية والبيئية وذلك عن طريق إعطاء الأولوية في مجهودها الوطني لهيكلة بنياتها الإنتاجية واستغلال مقدراتها المادية وتأهيل كفاءتها البشرية والمؤسساتية سعيا وراء كسب المناعة الاستراتيجية والتنافسية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والمحافظة على الهوية الحضارية لا سيما وأن النفاذ إلى الأسواق التجارية والمالية ما يزال محدودا بل وما يزال مغلقا في كثير من الأحيان أمام كثير من هذه الدول علاوة على ما تعانيه من عبء المديونية الأمر الذي يشكل بالنسبة لها عائقا حقيقيا أمام إمكانات تأهيل اقتصادياتها وتحقيق شروط تنمية دائمة لاستتباب استقرارها السياسي وازدهارها الاجتماعي وهذا ما يرسخ اقتناعنا بوجوب الاستمرار في العمل لابتكار صيغ أكثر ملاءمة لتدعيم التعاون الدولي وتحقيق المزيد من انسجام مضامينه مع ما تفرضه الإكراهات الناجمة عن التحولات العميقة التي يعرفها العالم وما تتطلبه الطفرات العلمية الهائلة والمستجدات التكنولوجية الكبرى وطموحات الإنسانية التي تطبع بداية القرن الحادي والعشرين.
لذلك نأبى إلا أن نثمن ما يقوم به كل من مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية والمجموعة الأوروبية من مبادرات في هذا الصدد بدءا بمعاهدة هافانا سنة 1947 ومرورا بما أتت به مدونة الأمم المتحدة حول '' مجموعة المبادئ والقواعد المنصفة للاتفاق المتعدد الأطراف لمكافحة الممارسات التجارية التقييدية '' المعتمدة سنة 1980 ووصولا إلى ما أفضى إليه الاتفاق العام للتعريفات الجمركية والتجارة " الغات" من نتائج سنة 1994 في مدينة مراكش في مقدمتها ميلاد منظمة التجارة العالمية.
إن هذا النشاط الدولي المنفتح على أوسع مجالات المبادلات والهادف إلى استيفاء الشروط الكفيلة بتحقيق الأهداف المتوخاة من التجارة الدولية لصالح جميع البلدان وتعزيز الرفاه الاجتماعي وحماية المصالح الاقتصادية للمستهلكين ليشكل بمختلف محطاته - بما أسفرت عنه من خلاصات وتوصيات - المرجعيات التاريخية للقانون النموذجي الأممي للمنافسة الذي يسعى المجتمع الدولي اليوم إلى جعله الأرضية المؤسسة للتشريعات الوطنية في ميدان المعاملات التجارية بغية ترسيخ قيم الشفافية والنزاهة وتوفير تكافؤ الفرص لجميع الأطراف المتعاملة في مسلسل الإبداع والإنتاج والتمويل والتجارة والاستهلاك على السواء.
وفي هذا الصدد نود أن نؤكد لجمعكم أن المملكة المغربية وهي الدولة العريقة ذات التقاليد الراسخة المستمدة من الدين الإسلامي الذي تتنافى تعاليمه المثلى مع كل أنواع الاحتكار والغش والميز وتدعو إلى استباق الخيرات وإلى التعامل النزيه مع الآخرين كيفما كانت انتماءاتهم العرقية والدينية والوطنية ستواصل بعزم وثبات مسيرتها من أجل تأهيل الإطار القانوني المؤسساتي لاقتصادها الوطني في اتجاه ضمان أحسن شروط إدماجه في مسار العولمة بما تقتضيه من متطلبات التنافسية الاقتصادية التي تقرها وتتبناها اليوم المجموعة الدولية.
وإننا لعازمون على توطيد هذه المكتسبات ضمن النهج الديمقراطي الطموح الذي اخترناه لنبوئ بلادنا المكانة المرموقة اللائقة بها بين الدول الديمقراطية كدولة للحق والقانون رائدة في محيطها متعددة التنظيمات السياسية والاجتماعية والثقافية عاملين على إرساء اقتصاد تنافسي متحرر قائم على المبادرة الحرة والسباق نحو الأفضل ومحقق للتكافؤ الاجتماعي والرقي الثقافي.
أيتها السيدات والسادة..
إننا لمرتاحون لانعقاد هذه الندوة الأوروبية المتوسطية حول قانون وسياسة المنافسة على أرض مملكتنا يقينا من جلالتنا أن من شأن أشغالها التي تشارك فيها ثلة من خيرة الخبراء والباحثين والمهنيين أن تفضي إلى نتائج تدعم مسلسل برشلونة وتفتح آفاقا أوسع للعمل المشترك وتوفر أسباب التنسيق المستمر والتعاون المثمر بين الهيئات المشرفة على المنافسة في هذه المنطقة الحيوية من العالم ترسيخا لروح التضامن والشراكة من أجل تحقيق نمو شامل وازدهار متقاسم.
وعسى أن يشكل هذا الملتقى بذلك لحظة توافق متميزة في مسلسل الإعداد لمؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية لإعادة النظر في المدونة الأممية للمنافسة بهدف استتباب نظام عالمي قانوني واقتصادي تنافسي متشبع بالمثل الأخلاقية العليا يجعل من التنمية فضلا عن أهدافها المادية أداة من أدوات ترسيخ حقوق الإنسان ومشروعية طموحه إلى بناء اقتصاديات تضمن العيش الكريم لكل البشر.
كما نأمل أن يكون هذا الملتقى بشارة خير أيضا على طريق ما تعتزم القيام به جامعة الدول العربية في هذا الميدان من الإقدام على صياغة قانون استرشادي للمنافسة المؤمل أن تلتقي على أرضيته إرادات الدول الأعضاء في منطقة التبادل الحر العربية بقصد وضع إطار قانوني موحد لتنظيم المنافسة النزيهة كفيل بالتحفيز على تكثيف التبادل البيئي في عالمنا العربي.
ايتها السيدات والسادة..
إن اختيار مملكتنا من لدن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية لاحتضان هذه المناظرة حول قانون وسياسات المنافسة في الوقت الذي يتحمل فيه المغرب مسؤولية رئاسة مجموعة 77 زائد الصين وفي ظرف يتسم ببداية تنفيذ مقتضيات القانون الجديد المتعلق بتحرير الأسعار والمنافسة في بلادنا - كجزء من منظومة تشريعية شاملة نستهدف من خلالها ترسيخ دولة الحق في ميدان الأعمال - ليعد حافزا لما يجب على حكومتنا وعلى مختلف المنظمات المهنية أن تقوم به من برامج تواصلية في جميع ربوع مملكتنا حتى تتعمق ثقافة التنافس والتباري الشريف على أوسع نطاق ويتم استيعاب منطوق وروح هذا القانون من طرف الجميع بما ينص عليه من مبادئ وقواعد كونية للمنافسة وما يراعيه من خصوصيات وطنية تندرج فيما هو حق مشروع لكل بلد في تبني ما يتلاءم مع وضعه وينسجم مع طبيعة المرحلة التي يجتازها اقتصاده ومجتمعه حفاظا على توازناته واستقراره.
نتمنى لضيوف مملكتنا مقاما طيبا بين ظهرانينا ولأشغالكم النجاح والتوفيق...
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ".
وحرر بالقصر الملكي بطنجة في يوم 14 ربيع الثاني 1421ه الموافق 17 يوليوز 2000.