" الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
أصحاب السمو والمعالي،
شعبي العزيز،
أتوجه إليك، بمناسبة الذكرى الخمسين للاستقلال، من هذا المكان التاريخي، بما يرمز إليه من ذكريات خالدة، باسمنا، وباسم كل أفراد الأسرة الملكية الشريفة، سليلة جدنا المنعم، جلالة الملك محمد الخامس، قدس الله روحه. آباء وأبناء، أمراء وأميرات وحفدة. سواء منهم من اختارهم الله إلى جواره، وفي مقدمتهم والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، وجدتنا المرحومة للا عبلة، وعمنا المغفور له، صاحب السمو الملكي، الأمير مولاي عبد الله، وعمتنا المشمولة بعفو الله، صاحبة السمو الملكي الأميرة للا نزهة. أو من هم على قيد الحياة، أمد الله في أعمارهم، وأصلح ذرياتهم. وذلك للإعراب عن الشكر والامتنان، للشعب المغربي قا طبة، بكل أجياله ومكوناته، شيبا وشبابا، رجالا ونساء، في المدن والبوادي، والجبال والصحراء، على ما جسدوه جميعا، من ولاء لملكهم، وللعرش العلوي المجيد، في السراء والضراء.
وهو ما تجلى في أروع صور الوفاء والفداء، خلال المنفى السحيق، الذي تحملته أسرتنا الملكية، التي هي منكم وإليكم، عندما ضحى جدنا المنعم بعرشه، في سبيل حرية الأمة وسيادة الوطن.
إنها لحظة قوية ومؤثرة، نستحضر معك فيها مدى الالتحام بينك وبين عرشك، الذي بادلك وفاء بوفاء، وإخلاصا بإخلاص.
كما نعرب، عن عميق عرفاننا، لرجال ونساء الحركة الوطنية، والمقاومة وجيش التحرير، الذين أبلوا البلاء الحسن، دفاعا عن الوطن ورمز سيادته. رحم الله شهداءهم، وأجزل الثواب لمناضليهم، الذين حق فيهم قول الله تعالى : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا". صدق الله العظيم.
وإننا لنرحب بضيوفنا الكبار، وبالشخصيات الأجنبية المرموقة، التي تشاطرنا الاحتفال بهذا الحدث التاريخي. ولا سيما أولئك الذين وقفوا إلى جانب العائلة الملكية في منفاها. وخففوا عنها غربتها ومعاناتها، أو الذين ساندوا كفاح شعبنا، ومشروعية عودة السلطان محمد بن يوسف إلى عرشه. مما يجعلنا نعتبرهم مغاربة، لما كان لهم من تجاوب صادق، مع مشاعر الشعب المغربي ونضاله.
فرمزية الذكرى لا تخص بلادنا وحدها، وإنما تهم أيضا بلدانهم، التي تربطنا بقادتها وشعوبها، وشائج الأخوة والصداقة والتضامن، في سبيل التحرر والكرامة.
ونود في هذا الصدد، أن نوجه تحية تقدير وعرفان، لأصدقائنا الكبار، جلالة الملك دون خوان كارلوس والملكة دونيا صوفيا، وفخامة الرئيس جاك شيراك، وعقيلته الموقرة، السيدة برناديت شيراك. لما يكنونه للمغرب من محبة خالصة، ودعم قوي. منوهين بتعاطف ومساندة، كل من معالي رئيس الحكومة الإسبانية، السيد خوسي لويس رودريغيز ثاباتيرو، ومعالي الوزير الأول الفرنسي، السيد دومينيك دوفيلبان.
وفي نفس السياق، ننوه عميق التنويه، بالتمثيل الرفيع لإخواننا الأعزاء، فخامة الرئيس عبودلاي واد، وفخامة الرئيس مارك رافالومانانا. باعتبار ذلك أقوى دليل على ما يشد بلديهما بالمغرب، من روابط الأخوة الإفريقية. سواء بالنسبة لمدغشقر، التي شاءت الأقدار الإلهية، أن تجعل من محنة المنفى، آصرة تاريخية بيننا، لن تنساها الذاكرة المغربية. أو بالنسبة للسينغال، الذي تعد علاقاتنا المتميزة معه، نموذجا يحتذى، في التضامن والوحدة الإفريقية.
أصحاب السمو والمعالي،
شعبي العزيز،
إن احتفاءنا اليوم، إشادة بالقيم المثلى، التي جسدها محمد الخامس، رحمه الله وفي طليعتها الحرية، التي جعل منها قوام مذهبه السياسي. وناضل من أجل المحرومين منها، بدون تمييز عرقي أو ديني أو فئوي. متضامنا مع حركات التحرير، مغاربيا وإفريقيا. دون أن ننسى موقفه الشهم المشهود، إلى جانب العالم الحر، في التصدي للنازية والفاشية.
وإننا لنؤكد عزمنا الراسخ، على توطيد دعائم الشراكة المتميزة، المغربية الفرنسية الإسبانية. مستلهمين ذلكم الحس السياسي الحضاري الرفيع. وهو التحرر من عقدة الاستعمار، باعتبار ذلك من أسمى الفضائل، التي تحلى بها، بكل استبصار، محرر الأمة، جدنا جلالة الملك محمد الخامس، ورفيقه في الكفاح، باني دولتها الحديثة، والدنا جلالة الملك الحسن الثاني، رضوان الله عليهما.
وإذ نستحضر هذه الصفحات المشرقة، من تاريخ المغرب، فليس للإشادة أو التبجيل، وإنما لاستخلاص العبر والدروس من نجاحاته وإخفاقاته، والتشبع بعمق دلالات الإرث السياسي والوطني، والوقوف على ما بذلته الأجيال المتعاقبة، من جهود وتضحيات جسام. وكذا على المكاسب الرائدة، التي حققتها بلادنا. وذلك بإسهام جميع المغاربة، كل من موقعه. مخلفين لنا مغربا حرا، متمتعا بسيادته.
فليكن ذلك باعثا قويا لنا، على التوجه نحو المستقبل، بنفس التعبئة والثقة والحماس، وعلى الانخراط الجماعي، في مسيرة تعميق الديمقراطية والتنمية. تحذونا الوطنية الصادقة، المبنية على أن حب الأوطان من الإيمان، وعلى التمسك بالثوابت المقدسة. وفي مقدمتها الالتحام الراسخ بعرشك. وإن كنت مجسدا للعرش ومؤتمنا عليه، بوصفه من أعرق الملكيات، فإني أعتبره تاجا يعلو رؤوس كل المغاربة، وأمانة في أعناقهم، مثلما هم أمانة في عنقنا.
وستجد، شعبي العزيز، في خديمك الأول، ملكا مواطنا، ملتزما بقضاياك، متفانيا في خدمة وطننا الغالي، وفاء للبيعة المتبادلة بيننا.
سبيلنا، الذي لا رجعة فيه، تعزيز المواطنة الكاملة لكافة المغاربة، الذين أعتبرهم سواسية، حيثما كانوا، وكيفما كانت وضعيتهم الاجتماعية. لا فرق بين فرد وآخر، إلا بقدر ما يجسده من وطنية صادقة، ونهوض بالمسؤولية، وتمثيل مشرف لبلدنا، الذي نعتز بالانتماء إليه، والعمل الجماعي من أجل صيانة وحدته، وتوطيد عزته. فالمغاربة، ويشرفني أن أكون واحدا منهم، وخديمهم الأول، سواسية بالنسبة لي، في حقوق المواطنة وواجباتها، أمام الله والأمة والتاريخ.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".