"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله واله وصحبه
فخامة رئيس الجمهورية
السيدة الرئيسة
السيد عمدة باريز
أصحاب المعالي والسعادة
حضرات السيدات والسادة المنتخبين المحترمين
السيدات والسادة
ان المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية كثيرا ما طبعتا تاريخهما المعاصر بطابع التميز وذلكم- فخامة الرئيس - ما قدمتم عليه البرهان البليغ مستعرضين معالمه الساطعة.
وإني لأشاطركم القول أن هذا التميز الاستثنائي الذي نحن فخورون به كان يتجلى كلما كانت حريات الأشخاص عرضة للخطر أو للإبتلاء إن في ساحة الوغى إبان الحرب العالمية الأولى أو خلال مقاومة النازية والفاشية في هجمتهما على العالم أو في الزمن الأقرب إلينا في أفريقيا أو البوسنة أو في أنحاء أخرى حيث وجبت حماية السكان من القهر والإضطهاد والميز.
فخامة الرئيس
إنني وأنا معكم هذا الصباح من أجل تدشين ساحة محمد الخامس في باريز وعند أعتاب نوتردام ومعهد العالم العربي وعلى مقربة بضع مئات من الأمتار من مسجد باريز أستحضر القيم الكونية الموءسسة لحقوق الإنسان وأسترجع ذكرى تلك المعارك التي خاضها بلدانا لنصرة العدالة والكرامة لأجعلها تتصدر مفاخر جدي المنعم جلالة الملك محمد الخامس تغمده الله بواسع رحمته.
واسمحوا لي في هذه اللحظة المشهودة أن أستعيد مشاعر التأثر البالغ الذي ما زال العديد من الفرنسيين والمغاربة يحافظون على توهجه في ذاكرتهم مستحضرا بخشوع ذكرى الحدث الخالد ليوم الرابع عشر من يوليوز 1999 الذي أراد والدي المنعم جلالة الملك الحسن الثاني أكرم الله مثواه أن يتميز باستعراض الفيالق المغربية والفرنسية أمامكم على إيقاع موسيقي تتمازج فيها أنغام النشيدين الوطني المغربي والمارسييز.
ولن ينسى أي منا مدى القوة والتفرد الكامنين في هذا الرمز الذي أردتم أنتم ووالدي المنعم تجسيده معا. فمثل هذه اللحظات القوية الدلالة والتميز التي نقتسمها تصنع التاريخ وتنحت الذاكرة وتحدد مصير الأمم العظيمة.
إنني لا أخالكم حضرات السيدات والسادة حينما يتعلق الأمر بعلاقة فرنسا بالمغرب إلا مجاهرين مثلي وبأعلى صوت ودون تردد بالتشبث بالطابع المتميز لروابط بلدينا.
انه الطابع الذي يجسد قرابة فكرية وانسانية يبلور استمرارها وعمقها فن الممكن وفن الاحسن حينما تنبعث او تطفو من جديد مخاوف قديمة من عصر ولى ومن عالم غريب عن المجال الثقافي والروحي الذي اختار المغاربة والفرنسيون ان يشيدوا معا مصيرهم داخل سياقه.
فخامة رئيس الجمهورية
إن الجنرال دوغول لم يكن إلا مصيبا حين بوأ جدي المنعم جلالة الملك محمد الخامس عام 1945 بمعية تشرشل وإيزنهاور مكانة متميزة بين الشخصيات الأجنبية القليلة التي انفردت بخطوة التوشيح والإنتماء للمقام الرفيع لرفقاء التحرير.
لقد تسنم الرجلان ذروة الحكمة والإنصاف بما أوتيا من حصافة عز نظيرها والتقيا في موعد واحد مع التاريخ دون سابق لقاء بينهما.
وبالفعل فمنذ ثالث مايو 1939حين كان النازيون قد ضموا تشيكوسلوفاكيا صرح جلالة الملك المرحوم محمد الخامس وهو يستقبل المقيم العام يومئذ.. "... إن المغرب كله بقلبه مع فرنسا التي تضاعف جهودها لضمان السلام دون إهمال الوسائل التي تضمن دفاعها في حالة ما إذا حدث نزاع يزعج سلامتها. إن الفرنسيين يستطيعون الإطمئنان إلى أنهم في جميع الأحوال سيجدون الشعب المغربي الى جانبهم ...".
وبعد أسابيع قليلة في رابع شتنبر 1939 تحولت خطبة الجمعة في مختلف مساجد المملكة الى نداء للتعبئة من أجل الحرية وضدا على الوحشية. وكانت الرسالة الملكية التي تليت بالمناسبة تقول.. " فمن هذا اليوم الذي اتقدت فيه نيران الحرب والعدوان الى اليوم الذي يرجع فيه أعداوءنا بالذل والخسران يتعين علينا أن نبذل لها الإعانة الكاملة ونعضدها بكل ما لدينا من وسائل غير محاسبين ولا باخلين فقد كنا معاهدين لفرنسا ومشاركيها في ساعة الرخاء ومن الإنصاف أن نشاركها اليوم في ساعة الشدة والبأساء حتى يكلل النصر أعمالها ويزهو سرور النجاح أيامها...".
وقد استجاب عشرات الالاف من المغاربة تلقائيا لهذا النداء بدون تردد أو تحفظ.
ذلكم- فخامة رئيس الجمهورية- كان موقف بلدي قبل أزيد من نصف قرن وقد اتخذه باسم القيم الإنسانية ومبادىء الحق التي تقاسمناها على الدوام مع العالم الحر والتي على أساسها ما فتىء المغرب يعزز مشروعه المجتمعي الديمقراطي ويوءصل حداثته.
وباسم هذه القيم نفسها انفرد جلالة الملك المنعم محمد الخامس أمام المجموعة الدولية بسلوكه الذي رفض أن تسلط على اليهود المغاربة قوانين حكومة فيشي العنصرية والمعادية للسامية.
وبهذه المأثرة النبيلة أثبت المغرب وجوده كأحد بلدان الاستقبال القليلة في العالم التي انفتحت أمام الذين تعقبهم الوحشية النازية.
أيتها السيدات والسادة
إننا لننحني في هذا الصباح الأغر إجلالا للشخص الذي كان بالنسبة لفرنسا وللعالم الحر ولمغرب التسامح والحداثة رجل النزعة الإنسانية المثلى ورجل الدولة الكبير. وحتى عندما نفته فرنسا عام 1953 عرف كيف يحكم منهج العقل والبصيرة بمحافظته على طابع التميز والتفرد في علاقتنا مهما تكن الحسابات الضيقة وكبوات تاريخنا المشترك.
فخامة رئيس الجمهوية
إننا بتدشين ساحة محمد الخامس بباريز لا نكتفي فقط بواجب تخليد الذكرى فمحرر الأمة المغربية ورائد الحركات التحريرية الإفريقية وباني المغرب الموحد الحر والديمقراطي قد أطلق مسار معركة يعرف كل منا أنها مهما حققت من مكاسب فإنها لم تبلغ بعد أقصى ما نتوخاه منها.
إن محاولات النبذ والإقصاء الديني والثقافي وانحرافات التعصب وأشكال التطرف ما تزال تحتل مجالا واسعا في الإهتمامات الدولية بمآسيها الدامية وما يرافقها من زحوف ظلام الجهل والأفكار المقيتة والجاهزة.
وهذا ما يدركه المغاربة جيدا ويحملهم على رفض الإنطواء على الذات أو النزوع إلى المواجهة وكأنهما قدر محتوم موءثرين للحوار والإنفتاح على الآخر.
وهكذا أيتها السيدات أيها السادة يمكن أن توجد كما هو شأن المغرب أمة فخورة بحدة هويتها ذات الروافد المتعددة وشديدة التشبث بعقيدتها الإسلامية حريصة على البقاء قريبا منكم متشبثة برسوخها التاريخي في الأخذ بثقافة الحوار والإنفتاح والتعارف والتشارك مع الآخر.
تلكم هي الرمزية الشاهدة التي تعطي ساحة محمد الخامس بباريز أبعادها الحقيقية وراهنيتها وإشعاعها الوضاء.
ولا يفوتني فخامة الرئيس في ختام كلمتي أن أشكر مدينة باريز وعمدتها ومتخبيها المحترمين الذين أتاحو للمغرب وفرنسا أن يثريا تراثهما المشترك بهذه الساحة التي ستكون بمثابة معلمة بارزة للأجيال الصاعدة بالنسبة لبلدينا والرمز الحي لعلاقاتنا التي نريد لها أن تظل أكثر مثالية وقوة على الدوام.
شكرا على جميل إصغائكم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".