"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وءاله وصحبه..
حضرات السيدات والسادة..
يسعدنا أن نتوجه إلى المشاركين في هذا المنتدى، ومن خلالهم إلى كافة فعاليات الحركة الجمعوية بالمملكة، التي مافتئنا نوليها عناية خاصة، لما تضطلع به من دور فاعل ودوءوب في تعبئة كل الطاقات الحية إسهاما منها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا.
ولا يسعنا إلا أن نبتهج بما أصبحت تشكله الجمعيات المغربية، من ثروة وطنية هائلة ومن تنوع في مجالات عملها، وما تجسده من قوة اقتراحية فاعلة، أصبحت بفضلها بمثابة الشريك، الذي لا محيد عنه، لتحقيق ما نبتغيه لبلادنا من تقدم وتحديث.
وإننا لنلاحظ، وبكل اعتزاز، أنه إلى جانب الجمعيات التقليدية التي لا تعمل إلا لصالح أعضائها وحدهم، هنالك تنامي حضور ونشاط جمعيات أخرى يكرس موءسسوها ومسيروها والمنخرطون فيها عملهم، خصيصا، لصالح مستفيدين من غير المنضوين في هذه الجمعيات الخيرية والإحسانية والتربوية والتنموية.
وتشكل هذه الجمعيات نموذجا يجسد سياسة الانفتاح، التي تنهجها لتمكين كل مواطن تحدوه روح المبادرة والتطوع، من أن يشارك مشاركة تامة، وعلى مختلف الأصعدة، في الحياة الجماعية والعامة، في تناسق وتكامل مع المهام التي تضطلع بها السلطات العمومية، والهيئات المنتخبة، وفعاليات القطاع الخاص. وبذلك تساهم هذه الجمعيات، بدعمها ومساعدتها للفئات المحرومة، وللسكان الذين يواجهون وضعية صعبة، في تعزيز صرح الديمقراطية، وتحقيق التنمية المستدامة.
وإذا كان العمل الجمعوي يستهدف النهوض بكل مظاهر الحياة الاجتماعية، معتمدا أساسا على روح التطوع، وبما يحتمه الوعي القوي بواجب المواطنة، من تكافل وتعاون وتضامن، فإن بلوغ هذه الأهداف النبيلة لن يتحقق، إلا بحسن التدبير للجمعيات نفسها، ولأدائها قبل أن تتوخى ذلك لتدبير الشوءون الاجتماعية.
ولهذه الغاية عملنا على مراجعة القانون المنظم للجمعيات، بما يكفل حرية تأسيسها، ويدعم دمقرطة تكوينها وتسييرها، ويستهدف سن قواعد جديدة ومدققة، لضمان شرعية وتوسيع مواردها الداخلية والخارجية، وسلامتها وشفافيتها.
وبفضل مباركة والدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، قدس الله روحه، أحدثنا موءسسة محمد الخامس للتضامن، حريصين على أن تشكل، من حيث نظامها الأساسي وطرق سيرها وتدبيرها، نموذجا يحتذى لباقي الموءسسات الجمعوية والفاعلين الاجتماعيين، فيما يخص احترام هذه القواعد والابتكار في طرق العمل، والمبادرات التضامنية التي تكفل لهم المصداقية الضرورية.
وقد حرصنا على أن يكون تسيير هذه الموءسسة ملتزما باحترام قواعد حسن التدبير والفعالية في الأداء، والشفافية في المحاسبة المالية، معبرين، من خلال رئاستنا الفعلية لها، وإشرافنا الميداني على أنشطتها عن دعمنا الملموس والفعال للعمل الاجتماعي والتنموي البناء، إيمانا بأن التنمية هي مسوءولية الجميع.
وفي هذا الصدد، لايخفى عليكم أن هناك جمعيات موءهلة وجادة، تنهض بمسوءلياتها على الوجه المطلوب، في حسن التدبير لشوءونها، وتوفير الموارد الضرورية لبلوغ أهدافها ملتزمة بالشفافية في ممارستها مستحقة منا كل إشادة وتقدير. وأن هناك جمعيات أخرى تفتقر إلى هذه المقومات الأساسية، فهي مدعوة إلى تأهيل نفسها، وتجاوز المنظور الضيق أو الشخصي، الذي قامت على أساسه، ومطالبة بالالتزام بقواعد التسيير، والإبانة عن مصداقيتها، في تحقيق ما التزمت، به عاملة على تكييف أعمالها وفق ما تتيحه لها الوسائل والإمكانات المتوافرة لديها.
وفي هذا السياق، نهيب بالسلطات العمومية، والجماعات المحلية أن تتحمل مسوءولياتها كاملة، في جعل هذه الجمعيات تلتزم بالقانون، والقواعد المسطرة في أنظمتها الأساسية وأن تنهج سبيل التشاور الواسع، وتمدها بالدعم القوي، وتعقد معها مختلف أنواع الشراكة، من خلال اتفاقيات ذات أهداف ووسائل تمويل وأنماط تقويم محددة وناجعة وشفافة.
وإننا لنحث الفعاليات الجمعوية على تشجيع انخراط الشباب فيها، باعتبار الجمعيات مدرسة نموذجية للديمقراطية وللتضامن، ولتحرير طاقات الشباب الخلاقة، في خدمة المجتمع والصالح العام. كما ندعو هذه الفعاليات إلى تجاوز مايشوب بعضها من طرق التسيير التقليدية العقيمة، واعتماد ثقافة تدبير حديثة وناجعة، فضلا عن ضرورة تكتلها في نطاق فيديراليات تنصهر فيها تجاربها، وتجعل منها مخاطبا فعالا لمختلف شركائها.
حضرات السيدات والسادة..
عندما وجهنا موءسسة محمد الخامس للتضامن إلى تنظيم هذه التظاهرة، بمعية فاعلين ءاخرين، توخينا توسيع مجال التشاور المثمر، وتبادل الخبرات مع غيرها، من الجمعيات الإنسانية والتنموية الاجتماعية، وتشجيع الفاعلين وموءازرتهم، فيما يتخذونه من مبادرات، والتفكير في السبل والوسائل الكفيلة بالمساهمة في تحسين التدبير الجمعوي، الذي هو الشرط الحيوي لنهوض أي موءسسة جمعوية برسالتها على الوجه الأكمل.
وإننا لنعرب عن عميق ارتياحنا وتقديرنا لانخراط عدد كبير من الجمعيات، في تنظيم هذه التظاهرة، التي تنتظر باهتمام كبير، ما سيتمخض عنها من مقترحات وتوصيات، من شأنها أن تدعم العمل الجمعوي وتحصنه من كل أشكال الخلل أو القصور وتوءهله للإسهام في مسار التنمية الشاملة لوطننا.
وفقكم الله، وألهمكم الصواب في القول والعمل، وجزاكم خير الجزاء.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".