( تلاها وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية السيد أحمد التوفيق بمطار الرباط-سلا)
" الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
معاشر حجاجنا الميامين،
لقد كان دأبنا، بصفتنا أميرا للمؤمنين، وحاميا لحمى الملة والدين، أن نشاطركم مشاعركم الجياشة لأداء إحدى فرائض الدين العظيمة. ألا وهي حج بيت الله الحرام، بنفوس مفعمة بالإيمان واليقين، وأشواق متعاظمة لزيارة قبر سيد المرسلين، جدنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
ونغتنمها مناسبة مباركة، لتوجيهكم إلى ما يتعين عليكم التحلي به، من حميد الصفات وكريم الأخلاق، حتى تؤدوا نسككم طائعين خاضعين لله رب العالمين، ولا تعودوا من تلكم البقاع الطاهرة إلا بحج مبرور، وسعي متقبل مشكور، وذنب إن شاء الله مغفور.
وها أنتم على وشك مغادرة وطنكم الغالي، نحو أرض مهبط الوحي، وموطن البعثة المحمدية، وقد فارقتم الأهل والأقارب وتوجهتم لطلب مقصد أسمى ووجهة أسنى، يتطهر فيها المؤمن من الآثام والأوزار ويزداد قرباً من العزيز الغفار. فهنيئا لكم بهذا الاختيار.
حجاجنا الميامين،
لقد سن الله تعالى فريضة الحج ركنا ركينا من أركان الدين، وجعل جزاءها إلى أعلى عليين، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" ؛ اعتباراً لما ينطوي عليه من مشقة وإجهاد، وتجرد لعبادة الله الواحد الأحد، بعد خلع كل مَخيط ومُحيط، وارتداء لباس الإحرام، المشعر بالوحدة والمساواة المطلقة بين المسلمين، والتذلل والخضوع أمام رب العالمين.
وهي لحظات لاستحضار الوقوف أمامه تعالى، يوم الجزاء والحساب، مع ما يتطلبه ذلك المقام من التخلي عن الشهوات، والاقتصار على الضروريات والتوجه إلى الله بالتلبية والتهليل والتزود بالتقوى، ونعم الزاد، مصداقا لقوله تعالى: "الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج. وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى".
فاحرصوا، رعاكم الله، وأنتم تقومون بهذه العبادة الجليلة، ألا تضيع منكم هذه الفرصة الغالية، لتغنموا منها الأجر العظيم، والثواب الجزيل، واعمروا أوقاتكم بكل أنواع الطاعات والقربات وأكثروا من الطواف بالبيت الحرام، مع الأذكار الخالصة والصلوات الجامعة وغيرها من النوافل، تحقيقا للغاية السامية من هذه العبادة، التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حج فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
حجاجنا الميامين،
إنكم ستلقون كثيرا من الناس، إخوانا لكم من مختلف الأجناس، بلغات متنوعة، وعادات وطباع متباينة. وإنكم في كل ذلك تمثلون بلدكم بعاداته وتقاليده وأخلاقه المتميزة، وحضارته وثقافته الأصيلة، ووسطيته واعتداله. فكونوا، وفقكم الله، خير السفراء، متشبثين بعقيدة الوسطية السمحة والسنة النبوية الواضحة، التي لا يزيغ عنها إلا هالك، ساعين إلى كل ما يعزز الوحدة والوئام، والتضامن والالتحام، نابذين لكل ما يدعو إلى التطرف والغلو والعنف والانقسام.
حجاجنا الميامين،
لقد أصدرنا تعليماتنا إلى وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية، لمواصلة الحرص على توفير جميع شروط الرعاية، وأسباب الإقامة المُريحة، والأداء الأمثل لمناسككم، مع ما يستلزمه ذلك من تأطير متكامل فعال، دينيا وصحيا وإداريا وعلميا إعلاميا.
وإذ ننوه بالمجهودات التي يبذلها لحسن تفعيل توجيهاتنا السامية، على المعهود فيه من كفاءة وحنكة واقتدار، ومن إشراف حازم ومتابعة حثيثة للنهوض بكافة المهام الموكولة إليه، فإننا نهيب به وبكافة السلطات المختصة، لاسيما في هذا الظرف الصحي الخاص، الذي يعيشه العالم بأسره، لمواصلة إيلاء العناية القصوى لضمان سلامتكم وأمنكم.
كما ندعوكم، معشر الحجاج، لأن تأخذوا بكل أسباب الوقاية والحذر، وأن تمتثلوا لكل التعليمات المتعلقة بتنظيم أداء المناسك على الوجه المطلوب، ولاسيما منها تلك التي تقتضيها الوقاية من الأوبئة والأمراض، وتلك التي تفرضها ترتيبات السلطات المختصة في المملكة العربية السعودية الشقيقة، بتوجيهات سديدة من أخينا الأعز الأكرم، خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، الذي لا يألو جهدا لخدمة ضيوف الرحمن، وإحاطة الحرمين الشريفين بكامل التوقير والإجلال، جزاه الله خير الجزاء.
حجاجنا الميامين،
اعرفوا فضل الله عليكم حق العرفان، إذ منَّ عليكم بزيارة أطهر البقاع، وهداكم للطاعة وهي خير متاع، فاجتهدوا في السر والعلن لعبادة ربكم، وادعوه خوفا وطمعا، إن رحمة الله قريب من المحسنين.
وتذكروا في ذلك المقام العظيم، ما عليكم من واجب الدعاء لملككم، أمير المؤمنين، الساهر على راحتكم، وعلى وحدة دينكم ووطنكم، واستقرار بلدكم وأمنه وتنميته وازدهاره.
فاسألوا الله تعالى لنا دوام العون والسداد، وموصول النصر والتأييد، وموالاة النعم الظاهرة والباطنة، علينا وعلى شعبنا، وأن يرينا في ولي عهدنا صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وكافة أفراد أسرتنا الملكية الشريفة، ما يسر القلب، وتقر به العين، ويشد أزرنا بشقيقنا العزيز صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، ويحفظ سائر أفراد أسرتنا الملكية الشريفة، وكافة رعايانا الأوفياء، داخل الوطن وخارجه، وأن يشمل بمرضاته تعالى وغفرانه، كلا من جدنا ووالدنا المنعمين، جلالة الملكين محمد الخامس والحسن الثاني، أكرم الله مثواهما، جزاء على ما أسدياه للمغرب وشعبه الأبي، من جليل الأعمال وعظيم المنجزات. وأن يحيط بلدنا بحفظه، ويكلأه بعنايته، ويغدق عليه من نعمه وآلائه.
والله تعالى نسأل في الختام، أن يكتب لكم السلامة في الذهاب والإياب، وأن يجعل حجكم مبرورا، وسعيكم مشكورا، ويعيدكم إلى أهلكم ووطنكم سالمين غانمين، إنه تعالى سميع قدير وبالإجابة جدير.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".