"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول وآله وصحبه
شعبي العزيز
نخلد اليوم الذكرى المجيدة لثورة الملك والشعب لما ترمز إليه من معاني الوطنية وقيم الفداء من أجل استرجاع السيادة والاستقلال وبناء مغرب ينعم بالحرية والتقدم في ظل ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية.
وما أحوجنا في الظرف الحالي لاستلهام روح ومغزى هذه المناسبة الخالدة من أجل جعل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة خطوة هامة على درب توطيد المسيرة الديمقراطية التنموية وعمادا لرفع تحديات محيطنا الجهوي والدولي.
وانطلاقا من كون الاختيار الحر الواعي للمواطن لمن سيتولى النيابة عنه في تدبير الشأن العام يعد بمثابة القاعدة الذهبية للديمقراطية فإن الانتخاب يعتبر محكا للمواطنة بما هي استشعار للمسوءولية وللمشاركة الفاعلة في الحياة السياسية التي تعد أساس الديمقراطية.
وكما تعلم شعبي العزيز فإن النخبة التي تتولى تدبير شوءونك تأتي من التعيين أو من الانتخاب. وإذا كانت الأجهزة المعينة تختار وفق ضوابط محددة ويمكن إعفاوءها في حالة إخلالها بمهامها فإن صفوة الانتخاب تتميز بصلاحياتها الواسعة بحكم توسيع اختصاصات المجالس التمثيلية وبضرورة انتظار انتهاء انتدابها الذي يمتد خلال سنوات لمجازاتها أو جزائها.
ومثلما أحرص بالنسبة للمسوءولين السامين الذين أتولى تعيينهم على انتقاء أحسن العناصر لجعلها في خدمتك فإني أنتظر من الناخبين أن يقوموا بدورهم في اختيار أحسن العناصر لتكون الموءسسات النيابية سندا قويا للأجهزة التنفيذية داعيا كل المواطنين لجعل الانتخاب لحظة قوية لإبراز تشبع المغاربة بقيم الديمقراطية والحرية والاعتدال والتسامح واحترام القانون منوها في هذا الصدد بالدور الهام الذي ينهض به المجتمع المدني في ترسيخ قيم المواطنة الفاعلة ومهيبا بمختلف أجهزة الاعلام إلى تسخير كل وسائلها لهذا الهدف السامي.
ولأن الاسهام في تأطير المواطن وتمثيله يعد من صميم المهام الدستورية للأحزاب السياسية ومع توافقها على نمط للاقتراع مبني على جعل التصويت اختيارا لبرامج وليس لأشخاص فإن الاستحقاقات القادمة تعد فرصة ذهبية أمام هذه الأحزاب لإعادة الاعتبار للعمل السياسي بمعناه النبيل بالتعبئة من أجل المشاركة المكثفة الواعية والنوعية الجيدة للمرشحين والمنافسة الشريفة لإفراز نخبة موءهلة وبرامج ملموسة محددة الأهداف والوسائل.
كما أن الغرف المهنية التي أناط بها الدستور نفس المهمة ستواجه نفس الاختبار لقياس قدرتها على النهوض بدورها الاقتصادي في التحفيز على خلق الثروات والاستثمار، ذلكم الدور الذي يوءهلها لو أنها قامت به على الوجه المطلوب لتكون بنوكا لمشاريع الاستثمار الجهوي وليس مجرد مطية للانتخابات.
وكذلك هو الشأن بالنسبة للنقابات العمالية المدعوة للتشبع بثقافة اجتماعية جديدة يشكل فيها الحفاظ على فرص العمل وتقوية انتاجية المقاولة وتنافسيتها جوهر الوطنية الجديدة التي لا تقل أهمية عن النضال الوطني الذي قامت به الطبقة العاملة ضد الاستعمار.
كما أن الاستحقاقات القادمة المعززة بالمدونة الجماعية الجديدة ستشكل تجربة لإظهار مدى إفراز نخبة تجعل من الجماعات المحلية فاعلا اقتصاديا وقاعدة متينة لديمقراطية القرب وتدبير الحاجات اليومية للمواطنين.
أما السلطات العمومية القائمة بمسوءوليتها في السهر على نزاهة الاقتراع فإننا لا ننتظر منها مجرد الحياد سلبيا كان أو إيجابيا في هذا الشأن بل الالتزام الصارم بتطبيق القانون وتحصين نزاهة الانتخاب التي حرصنا في إطار تخليق العملية الانتخابية على توفير كل الضمانات القانونية والقضائية والادارية لها.
وإننا لنتطلع بذلك إلى اعتماد المشروعية الديمقراطية معيارا للتعاطي مع الأحزاب السياسية وذلك ضمن مشهد سياسي سليم تجد فيه كل المشارب السياسية الوطنية موقعها الحقيقي، مشهد مبني على أقطاب واضحة ومركزة بين تيارات سياسية يجمعها انسجام التوجهات، مشهد لا مكان فيه لمن يركب مطية الديمقراطية لمصادرتها إذ لا ديمقراطية لغير الديمقراطيين
ويظل خير ضمان لممارستك شعبي العزيز لهذه الاستحقاقات هو نظامك الملكي الدستوري الديمقراطي الذي يجعلك تخوض الانتخابات وأنت تنعم بالاستقرار والطمأنينة على مقومات هويتك بمختلف روافدها الغنية وعلى وحدتك المذهبية والوطنية والترابية وعلى جوهر اختياراتك.
فعلى الكل أن يتعبأ حتى لا نخلف موعدنا مع هذه المحطة الهامة في مسيرتنا الديمقراطية وإلا وجدنا أنفسنا تجاه موءسسات منخورة تضر بالديمقراطية وتغذي أسباب اليأس أو العزوف أو التطرف.
إن هدفنا الأسمى هو تكريس مصداقية الموءسسات بشكل يمكن من ترسيخ ديمقراطيتنا وجعلها أداة فعالة لكسب رهانات التنمية ودعامة قوية ترفع بها دبلوماسيتنا تحديات محيطنا الجهوي والعالمي في زمن غدت فيه درجة التطور الديمقراطي لأي بلد من روافد إشعاعه الدولي وأصبح فيه كسب تلكم التحديات رهينا بفعالية العمل الدبلوماسي.
وفي هذا السياق فإن تأهيل جهازنا الدبلوماسي يندرج ضمن الامتداد الاستراتيجي للتأهيل الشامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وللخيارات الوطنية الأساسية التي حددنا معالمها في خطاب العرش الأخير.
إن من حق المغرب اليوم أن يفخر بصورته لدى الرأي العام الخارجي كبلد معتدل متسامح ومنفتح على محيطه الجهوي وشريك ذي مصداقية متشبع بقيم السلم والعدل في التزام تام بالشرعية الدولية، بلد يمضي قدما في تشييد دولة عصرية ديمقراطية في تشبث قوي بهويته وباستقلاله وسيادته.
وقد وجهنا دبلوماسيتنا كي تعمل على حسن استثمار التقدم الديمقراطي لبلدنا وإشعاعه الروحي ورصيده التاريخي وموقعه الجيوستراتيجي وإلى التكيف مع التحولات العالمية والمساهمة في إيجاد حلول سلمية للنزاعات واغتنام فرص التعاون والتبادل على الأصعدة الثنائية والجهوية والمتعددة الأطراف وغزو أسواق جديدة وجلب الاستثمارات والتكنولوجيات المتطورة وتحقيق إشعاع ثقافي وطني أكبر.
وإننا حريصون على أن يتواصل هذا العمل بوتيرة أسرع ويتسع نطاقه في إطار منظور استراتيجي شامل ومنهجية جماعية متناسقة ومقدامة منفتحة على مختلف الفاعلين الجدد في العلاقات الدولية من منتخبين على الصعيدين الوطني والمحلي وفاعلين اقتصاديين ومنظمات غير حكومية.
ولبلوغ هذا الهدف أصدرنا تعليماتنا السامية من أجل تأهيل جهازنا الدبلوماسي وتحديثه وإعادة انتشاره. ويتعين أن تشمل هذه العملية الاصلاحية في نفس الوقت كلا من هياكل وزارة الخارجية والتعاون ومهام التحريك والتنسيق والمتابعة المنوطة بها وكذا أنشطة هيئاتنا الدبلوماسية والقنصلية وأساليب عملها.
كما يجب إيلاء عناية خاصة لانتقاء الأطر الدبلوماسية وتكوينها لأن المهنة الدبلوماسية ليست موهبة فحسب بل تتطلب اليوم مهارة خاصة وثقافة متنوعة وكفاءة فعلية في مجال التفاوض الدولي.
تلكم هي المقومات الضرورية لتكون الدبلوماسية المغربية لمستهل الألفية الثالثة فاعلة وجريئة ونافذة وبدون تعدي ويكون الدبلوماسي المغربي متمكنا من تمثيل بلاده تمثيلا مشرفا والدفاع عن مصالحها العليا وتوسيع مبادلاتها مع مختلف الدول والسهر على صيانة حقوق رعايانا الأوفياء المقيمين بالخارج الذين نخصهم في نطاق منظورنا للدبلوماسية الفاعلة بعنايتنا الفائقة.
وتظل غايتنا المثلى من التفعيل الأمثل لدبلوماسيتنا وجعلها أكثر مبادرة واقتحاما عقلانيا وتجديد أدواتها ترسيخ المكانة الدولية المرموقة للمغرب كشريك مسموع الكلمة من طرف الدول العظمى ومدافع حريص على مصالح البلدان النامية في زمن العولمة وقطب استقرار وسلم في محيطه الجهوي والدولي.
وبذلكم نثري الرصيد الدبلوماسي الثمين الذي حققه جدنا ووالدنا المنعمان جلالة الملكين محمد الخامس والحسن الثاني أكرم الله مثواهما سائرين على نهجهما القويم على درب تشييد مغرب الوحدة والديمقراطية والتقدم سائلين الله لهما حسن الثواب والرضوان.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ".