تلاه الوزير الأول السيد عباس الفاسي
"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
فخامة السيد رئيس جمهورية البرتغال،
أصحاب الفخامة والمعالي السادة رؤساء الدول والحكومات،
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
أود، في البداية، أن أتوجه إلى مؤتمر القمة الثاني لرؤساء دول وحكومات إفريقيا والاتحاد الأوروبي، بعبارات التحية والتقدير، باعتباره يشكل محطة هامة، لتعزيز الحوار وأواصر التضامن بين قارتينا.
كما يطيب لي أن أعبر عن أحر تشكراتي للجمهورية البرتغالية، حكومة وشعبا، على جهودها الموفقة، من أجل إنجاح هذه القمة.
لقد شهدت قمتنا سنة 2000، بالقاهرة، وضع اللبنات الأساسية لشراكة متجددة وطموحة، بين القارتين، إيمانا منا بوحدة المصير، وبتشابك المصالح والرهانات وتقاطعها، بين البلدان الإفريقية والأوروبية.
ومن ثم، كان الهدف الذي رسمناه لأنفسنا يومئذ، يتوخى جعل شراكتنا رافعة للتضامن، في مواجهة تحديات العولمة، وعربونا لضمان اندماجنا في حركة المبادلات التجارية، وحافزاً من حوافز التقارب الثقافي بيننا. كما يشكل عاملا كفيلا بتحصين الشراكة الأورو متوسطية من النزوعات والسلوكات المتنافية مع إرادة التفاهم، الباعثة على التشكيك والإقصاء، ودافعا لتجسيد كل التطلعات والطموحات، التي تم التعبير عنها وصياغتها آنذاك.
واليوم، وبعد انصرام سبع سنوات، ها هو مؤتمر قمة لشبونة، يتيح لنا فرصة تاريخية، لتقييم ما حققناه من إنجازات. ووضع أسس جديدة، لإرساء شراكة استراتيجية واعدة ومثمرة، وخطة عمل ملموسة، لتعزيز مشاوراتنا، وإحكام الانسجام بين سياساتنا.
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
إن معظم البلدان الإفريقية، وهي تواجه رهانات إقليمية ودولية جديدة، لاسيما منها المرتبطة بمخاطر الإرهاب، والتقلبات الناجمة عن إكراهات العولمة وحركات الهجرة، لتعمل جادة، بفضل ما تزخر به من دينامية ذاتية، لتفعيل الإصلاحات، ورفع ما يواجهها من تحديات.
وتعد هذه الحركة الإصلاحية الحثيثة، وتلكم النتائج المحصلة في المجال الاقتصادي، إشارة قوية من إفريقيا، لإشعار شركائها، بأنها حريصة كل الحرص، على المضي قدما في عملية التغيير، مصممة على الاضطلاع بدورها كاملا، في انبثاق التوازنات العالمية الجديدة.
بيد أنه بالرغم مما تبذله القارة الإفريقية من جهود، فإنها ما تزال تواجه، وبحدة، تحديات الفقر والأمية والبطالة والأوبئة ومشاكل البيئة وتعاني من بؤر التوتر والنزاعات المسلحة، التي تهدر طاقاتها ومؤهلاتها، مما ينعكس سلبا ويحيد بها، بكل أسف، عن أهدافها التنموية الحقيقية.
لذا، فقد أضحى لزاماً علينا، الأخذ بيد البلدان الإفريقية، ومساندة جهودها، من أجل الوقاية من النزاعات وتدبيرها، وفضها بالطرق السلمية، والتوجه نحو إعادة البناء والإعمار.
ولعل أخطر هذه التحديات، يتمثل في النزوع إلى بلقنة الكيانات الوطنية، ودعم الحركات الانفصالية، والكيانات الوهمية، التي لا مكان لها في عالم التكتلات القوية والوازنة.
وإن هذا الوضع المضطرب، يوفر مرتعاً خصباً لتهريب الأسلحة والمخدرات، والمتاجرة بالبشر، واستفحال ظاهرة تزايد التنظيمات الإرهابية، التي تهدد استقرارالمنطقة ، بل والعالم بأسره.
ولمواجهة هذه الأوضاع، فإنه يتعين على كل الشركاء، التصدى أولا، وبشكل استراتيجي، للتهديد الذي ما فتئ يحدق بسيادة أي بلد إفريقي، وبوحدته الوطنية والترابية، بموازاة مع معالجة التحديات المطروحة على إفريقيا، بما يفرضه طابعها الملح والاستعجالي.
ذلكم أن الحفاظ على وحدة الدول، والعمل على الاندماج الإقليمي، في ظل الأمن والاستقرار، يشكلان ضرورة ملحة لتوطيد أواصر التفاهم والتضامن، والحد من التوترات والخلافات، التي أصبحت متجاوزة، لكونها من مخلفات الماضي. والتي لا يمكن حلها إلا عن طريق الحوار والتشاور، في ظل الانفتاح والواقعية.
ولبلوغ هذه المقاصد النبيلة، فإنه يتعين الالتزام بمبادئ حسن الجوار، والاحترام المتبادل، بعيداً عن كل ما من شأنه المس بالخصوصيات والمشاعر الوطنية أو استفزازها.
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
من منطلق اعتزازنا الكبير بالعلاقات التي تربط المملكة المغربية بمحيطها الإفريقي، والالتزام الاستراتيجي الذي أخذته على عاتقها للنهوض بالتعاون جنوب - جنوب، فإننا لم ندخر جهدا من أجل تطوير علاقاتنا الثنائية مع البلدان الإفريقية، على أسس الثقة والتضامن والمصلحة المشتركة.
وفي هذا الصدد، فقد قمنا، خلال السنوات الأخيرة، بالعديد من الزيارات إلى البلدان الإفريقية الشقيقة، بقصد التشاور مع قادتها الأشقاء، والوقوف على إمكانيات تحقيق التكامل والمزيد من التبادل بين المغرب وهذه الدول، لا سيما في إطار أهدافنا المشتركة بشأن التنمية المستدامة ؛ حريصين على تفعيل مبادئ المشاركة، وسياسة القرب والتضامن، مستلهمين في ذلك المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أطلقناها في ربيع سنة 2005.
وإننا إذ نعبر عن ارتياحنا لما تحقق من نتائج إيجابية، وما أنجز من مشاريع، مع عدد من البلدان الإفريقية، لنجدد التعبير عن التزامنا الراسخ، بالعمل على تعزيز هذا النهج التشاركي، وتبادل التجارب والخبرات مع إخواننا في إفريقيا، ومواصلة إنجاز المشاريع، الرامية إلى تحسين مؤشرات التنمية البشرية، وتحقيق أهداف الألفية للتنمية.
كما أننا عازمون على العمل على تمتين هذه المبادلات، في إطار تعاون ثلاثي الأطراف، تعاون فعال وتضامني، يعود بالنفع على كافة البلدان الإفريقية الشقيقة، ويضطلع فيه الاتحاد الأوروبي بدور هام.
وإن المغرب، بفعل موقعه الجغرافي، وتاريخه العريق، وتقاليده الحضارية، ظل على الدوام أرضاً للحوار والتلاقي، وما يزال يشكل فضاء رحبا، لتفعيل التضامن الإفريقي والتعاون الأورو - إفريقي.
وفي هذا الصدد، فإننا ننوّه بالمبادرة الواعدة، التي أطلقها صديقنا الكبير، فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية السيد نيكولا ساركوزي، والتي تنادي بالعمل على بناء هذه الشراكة، يشكل فيها البحر الأبيض المتوسط قطب الرحى، والمحور الرئيسي. واثقين أن هذه المبادرة ستعطي لشراكتنا دفعة قوية، تضفي عليها بعداً استراتيجياً أكيداً.
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
تواجه إفريقيا تحديات عديدة، ولاسيما في مجال البيئة، كالتراجع المقلق في الغطاء الغابوي، وزحف التصحر، وتدهور التربة، وآفة الجفاف، علاوة على مصاعب التزود بالماء، ومشاكل التغير المناخي، التي تساهم كلها في استفحال الفقر، وتهدد استقرار السكان. لذلك فإن على هذه القمة، أن تكرس جهودها، لإعطاء شراكتنا دينامية جديدة، تكون في مستوى التحديات المطروحة، بشأن التنمية المستدامة والتغيرات المناخية، وأن تعمل على مساعدة إفريقيا في التحكم في هذه الظواهر، وتطويق مخاطرها.
إنه توجه يكتسي طابع الضرورة، باعتبار أن التفاعل الإيجابي بين الرهانات البيئية، والمتطلبات التنموية، يكفل بكل تأكيد، توفير المزيد من الاستقرار للسكان، وتحقيق تحكم أفضل في حركات الهجرة.
وتكتسي ظاهرة الهجرة، التي ارتفعت وتيرتها بحدّة، في سياق العولمة، بعداً خاصاً في الفضاء الأورو-إفريقي، حيث جاءت حركات الهجرة، تعبيراً واضحاً عن مدى الفوارق الاقتصادية والديمغرافية، القائمة بين قارتينا.
وإن التدبير المشترك لحركات الهجرة، وفق مقاربة شمولية مندمجة، هو وحده الكفيل بجعلنا نتجاوب مع الانشغالات الناجمة عن هذه الظاهرة، والتوترات التي تفرزها، وعلى حسن استثمار ما تتيحه من فوائد، لصالح التنمية في فضائنا المشترك، شمالا وجنوباً.
وفي هذا السياق، احتضن المغرب، في يوليوز 2006، المؤتمر الأورو-إفريقي حول الهجرة والتنمية، حيث تم إطلاق مسلسل للتشاور بين القارتين، والتأكيد على أن مواجهة إشكالية الهجرة المعاصرة، لا يمكن أن يكون لا وطنيا، ولا ثنائيا، ولا أمنيا بحتا. بل لا مناص من تناوله وفق منظور جماعي، عابر للجهات والأقاليم، متعدد الأبعاد، استشرافي الرؤية، وإنساني المنهج، بصفة خاصة.
وإن أملنا لكبير، في أن يفضي المؤتمر الأورو- إفريقي المقبل، المزمع عقده بفرنسا، في النصف الثاني من سنة 2008، إلى تفعيل أكبر لخطة عمل الرباط، لاسيما من خلال معالجة مختلف المشاكل، الناجمة عن حركات الهجرة.
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
إن ما نواجهه من رهانات، وما تزخر به العلاقات بين إفريقيا وأوروبا من إمكانات، ليتيح لنا فرصة فريدة وغير مسبوقة، لإقامة شراكة متجددة بين أوروبا موحدة، وإفريقيا ناهضة. شراكة متينة ومنصفة، قائمة على احترام المصالح المتبادلة، والنهوض بها.
كما أصبح من الضروري، أن تعمل إفريقيا وأوروبا، بكل ما في وسعهما، لتحويل مسلسل العولمة، إلى قوة إيجابية في خدمة التنمية، بدل أن تكون عاملا من عوامل التهميش. لذا يجب أن تشكل التنمية المستدامة، والتجارة والاندماج الإقليمي، مواضيع محورية للتعاون بين القارتين.
وفي هذا السياق، ينبغي أخذ البعد الإقليمي الإفريقي بعين الاعتبار، والاعتماد بشكل خاص، على توافر تشكيلة متنوعة من أطر التعاون المعمول بها، بين كل جهة من الجهات الإفريقية، وبين الاتحاد الأوروبي كاتفاقية كوتونو، والشراكة الأورو-متوسطية، وسياسة حسن الجوار.
وفضلا عن المنظور الاستراتيجي، الذي ينبغي أن يساعد على التعامل مع القارة الإفريقية، يتعين تبويء التجمعات الاقتصادية الجهوية، والتي تشكل النواة الصلبة، والشرط المسبق، لكل اندماج جهوي ناجح، المكانة اللائقة بها، ضمن الأدوات العملية المتوفرة لشراكتنا.
ونأمل بهذا الخصوص، أن تشكل اتفاقات الشراكة الاقتصادية، التي يتفاوض بشأنها الاتحاد الأوربي حاليا، مع كل جهة من الجهات الإفريقية، منطلقا للاستجابة لتطلعات البلدان الإفريقية الشقيقة.
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
يتعين على شراكتنا، في السنوات المقبلة، أن ترتكز على أرضية متينة، قوامها دينامية جديدة، في مجال الحوار والتشاور السياسيين بين قارتينا، بهدف استتباب السلم والأمن، وترسيخ متطلبات الحكامة الجيدة، وتعزيز التعاون في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والتقنية، والثقافية والإنسانية.
بيد أن العمل المشترك على تحقيق هذه الغايات، يظل رهينا بتوفير المتابعة المنتظمة، على الصعيدين السياسي والتقني. وذلك ضماناً للتفعيل الأنجع للاستراتيجية المشتركة، وخطة العمل، اللتين ستعتمدهما القمة.
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
إن الطريق أمام شراكتنا أصبح الآن واضح المعالم. وإننا لنأمل أن نتمكن حينما نلتئم مجددا، في إطار القمة القادمة، من رصد جملة من الإنجازات الجوهرية والهامة، التي ستتحقق في السنوات المقبلة، في ظل شراكتنا المتميزة.
أشكركم على حسن اهتمامكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".