"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
شعبي العزيز،
لقد ارتأيت أن أجعل من خطابي لك اليوم، بمناسبة عيد العرش المجيد، الذي يصادف الذكرى الخمسينية للاستقلال، خطاب توطيد الثقة وتجديدها، أولا في الذات والهوية من أجل تحصينهما، وثانيا في المؤهلات والمكتسبات بغية تمتينها وتطويرها، وثالثا في المستقبل للسير نحوه بكل عزم وإقدام.
وإن الوقوف، بكل اعتزاز، على ثراء حصيلة الأشواط التي قطعناها في هذا المسار، بما راكمته بلادنا من منجزات، وما فتحناه من أوراش، وما أطلقناه من مبادرات وإصلاحات، وما يحدونا من آمال وتطلعات، لايوازيه إلا اقتناعنا الأ كيد، بأن قوام كل ما حققناه يكمن أساسا في وضوح الرؤية الناظمة لمشروعنا المجتمعي، وقوة إرادتنا لإرساء دعاماته، ورسوخ ثقتنا في هويتنا وإمكاناتنا ومستقبلنا.
شعبي العزيز،
إن الوفاء لتاريخنا، وحرصنا الدائم على ترسيخ الثقة في حاضر أمتنا ومستقبلها، قد تجسدا بجلاء، فيما عاشته بلادنا، على مدى السنة الفارطة، من مظاهر الاحتفال الرسمي والشعبي بالذكرى الذهبية للاستقلال، وبانصرام خمسين سنة على تأسيس قواتنا المسلحة الملكية.
واعتزازا بتاريخنا، وإشادة ببطولاته، وتجسيدا للالتحام القوي بين الشعب والعرش، والوفاء الدائم لرموزه، نستحضر بكل إجلال، ذكرى بطل التحرير، جدنا المنعم، جلالة الملك محمد الخامس، تغمده الله بواسع رحمته، وكذا وبكل إكبار، روح باني المغرب الحديث، والدنا المغفور له، جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه.
كما نترحم على أرواح المجاهدين والشهداء الأبرار، الذين وهبوا حياتهم فداء لعزة المغرب، والدفاع عن مقدساته، والذود عن حوزة الوطن. ونعبر في هذا السياق، عن سابغ رضانا، وفائق تنويهنا بقواتنا المسلحة الملكية، وبقوات الدرك والأمن والقوات المساعدة، والوقاية المدنية، المرابطة في تخوم الوطن، والساهرة على أمن المواطنين وطمأنينتهم.
شعبي العزيز،
انطلاقا من ثقتنا في ذاتنا، وفي مستقبل بلدنا، حرصنا على أن نقف، بكل شجاعة وموضوعية، لقراءة ماضينا بكل صفحاته، قراءة توخينا منها أساساً، رصد مواطن القوة، ومكامن الضعف، في مسيرتنا التنموية، لاستخلاص العبر، من أجل ترسيخ توجهاتنا المستقبلية، بكل ثقة ووضوح.
وضمن هذا التوجه، وافقنا على نشر التقرير الختامي لهيأة الإنصاف والمصالحة، غايتنا من ذلك توطيد الثقة في الذات. وقد أنطنا بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان متابعة وتفعيل توصيات هذا التقرير، وأمرنا السلطات العمومية بتيسير إنجاز هذه المهمة، كل في مجال اختصاصاته، بما يمكننا من ترسيخ دولة القانون، وتحقيق الإنصاف.
وفي السياق ذاته، تلقينا التقرير الذي أعدته مجموعة من الطاقات الفكرية والعلمية الوطنية، الذي يستهدف، في ضوء تقييم الأشواط التي قطعتها بلادنا، على درب التنمية البشرية، خلال نصف قرن المنصرم، تعميق النقاش العام حول السياسات العمومية الوطنية، الممكن نهجها في أفق العقدين المقبلين.
وانطلاقا من هذا التوجه الواثق والحازم نحو المستقبل، والروح الوطنية الصادقة، واستنادا إلى الإجماع الوطني، فقد اتخذنا مجموعة من القرارات، وقمنا بالعديد من المبادرات، خلال السنة الفارطة، من أجل الدفع بالتسوية النهائية لقضيتنا الوطنية الأولى.
وهكذا، فقد قررنا تقديم اقتراح بشأن تخويل أقاليمنا الجنوبية حكما ذاتيا، ضمن سيادة المملكة المغربية ووحدتها الوطنية والترابية، واستشرنا في ذلك الأحزاب السياسية. ونود الإشادة بما أبانت عنه من تجاوب والتزام صادقين، يجسدان إرادة المغرب، بمختلف مكوناته، في الطي النهائي لهذا الملف، وتوجيه كل جهوده وطاقاته لمسيرة التنمية الشاملة، وللدفع ببناء الاتحاد المغاربي، كخيار لامحيد عنه، بوصفه من صميم الحكمة، ومنطق التاريخ وحتمية المستقبل.
وأعلنا، من مدينة العيون الأثيرة لدينا، عن تنصيب المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، بتركيبة جديدة ومسؤوليات موسعة، تجعله قابلا باستمرار، لانخراط كل المكونات الفاعلة بأقاليمنا الجنوبية فيه. وقد كلفناه بأن يرفع إلينا تصوره بشأن مشروع الحكم الذاتي، وأن يقترح علينا مختلف المبادرات الكفيلة بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الربوع الغالية من وطننا. كما أكدنا على أن تظل هذه المؤسسة منفتحة على كل الحساسيات والتيارات، معبرة عن تطلعات جميع أبناء المنطقة، سواء منهم المقيمون في أقاليمنا الجنوبية، أو العائدون إلى أرض الوطن، الذي كان ولا يزال غفورا رحيما.
وإنه لمن دواعي اعتزازنا، أن نسجل التفهم والتجاوب الذي لقيته المبادرة المغربية، لدى البلدان والهيئات الفاعلة في المنتظم الدولي، التي باتت مقتنعة بمصداقية مطلبنا، وتوازن موقفنا، في نهج حل سياسي تفاوضي ونهائي لهذه القضية. وسنظل معبئين لبلورة هذه المبادرة، في إطار تشاركي وموسع وذي مصداقية. كما لن نتوانى لحظة، في مد اليد إلى ذوي النيات الحسنة، وفي الدعوة الصادقة إلى تحرير المستقبل المشترك مع جيراننا.
شعبي العزيز،
إن حرصنا القوي، المستند إلى الوشائج الراسخة للثقة المتبادلة بين العرش، وبين مختلف مكونات الأمة، على صيانة وحدتنا الوطنية والترابية، لايعادله إلا تصميمنا على تعزيز الصرح الديمقراطي، وترسيخ دولة الحق والقانون، ومواصلة مسيرة التنمية التي نقودها، إيمانا منا بتلازم وتكامل المسارين الديمقراطي والتنموي.
لذا، شعبي العزيز، كان حرصنا ولا يزال شديدا، على أن يعم الإحساس بالثقة كل مناحي الحياة الوطنية: ثقة بين الفاعلين السياسيين، تنظمها المؤسسات، وتضمنها القوانين. ثقة في البلاد وفي إمكاناتها، من شأنها أن تحرر الطاقات، وتحفز على المبادرة والانخراط الفاعل في العملية التنموية، وثقة في بعضنا البعض.
ولقد تمكنا، ولله الحمد، من تحقيق إصلاحات جوهرية وحاسمة في المجال المؤسساتي والسياسي، أعطت روحا جديدة، ومضمونا متميزا للتجربة الديمقراطية لبلادنا. ونطمح اليوم، إلى ترسيخ الممارسة الديمقراطية العادية، بكل ما تقتضيه من التزام مسؤول، من طرف كل الفاعلين السياسيين.
كما لن نتوانى، في إطار ما يخوله لنا الدستور من صلاحيات، في مجال ضمان حسن سير المؤسسات، وصيانة حقوق الأفراد والجماعات، في نهج كل سبل الإصلاح، واتخاذ التدابير التي تقتضيها المرحلة، وتتطلبها المصلحة العليا للأمة، في تجاوب مع الإجماع الوطني.
وفي هذا الصدد، سنقبل - شعبي العزيز - في غضون السنة المقبلة، بكامل الثقة في نخبك وشبابك ومستقبل بلدك، على استحقاقات انتخابية جديدة وحاسمة، نريدها أن تكون مثالا لما نطمح إليه، في مجال تعزيز الممارسة الديمقراطية، التي تستند إلى الاقتراع، وتحتكم إلى نتائجه.
وتشكل الانتخابات التشريعية القادمة، محكا آخر لتجربتنا السياسية، ولمتانة خيارنا الديمقراطي. لذلك ينبغي، أولا، أن ننطلق جميعا من أن هذه الانتخابات تشكل فرصة ثمينة للتعبير عن إرادتك، وممارسة حقك الدستوري وواجبك الوطني، إذ لا يمكن للديمقراطية أن يكون لها مضمون إلا بالمشاركة الانتخابية، وباختيار الناخبين لممثليهم، وبالتالي إفراز الأغلبية، التي يعهد إليها بمسؤولية تدبير الشأن العام. فالإدلاء بالصوت شهادة، بل أمانة يتعين أداؤها.
وفي نفس السياق، فقد تلقينا ببالغ التقدير والاهتمام، ردود الفعل الإيجابية والمقترحات البناءة، بخصوص قرارنا تخويل مواطنينا المقيمين بالخارج، حق التمثيل في البرلمان.
وحرصاً منَّا على فتح المجال أمام أفراد جاليتنا، للإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية الوطنية، فقد ارتأينا أن نبدأ بإرساء المجلس الأعلى للجالية المغربية بالخارج، وفق تركيبة تجمع بين الكفاءة والمصداقية والتمثيلية، وذلك في غضون السنة المقبلة، موازاة مع مواصلة دارسة مختلف المقترحات، وتعميق التفكير في أنجع السبل، لتفعيل قرارنا السامي بهذا الشأن.
وعلى الجميع أن يضع نصب أعينه، أن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لرفع التحديات الكبرى للوطن، وإيجاد الحلول الملموسة للمشاكل الحقيقية للمواطنين، التي لا ينبغي أن تظل رهينة بالمعارك الانتخابية.لذا ندعو كل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين لمواصلة جهودهم، والنهوض بمسؤولياتهم كاملة، دون تأثر سلبي بالظرفية الانتخابية.
ومن هذا المنطلق، فإننا ننتظر أن تكون السنة التي تفصلنا عن الاستحقاقات الانتخابية، سنة خصبة ومثمرة، حافلة بمحطات متميزة من النقاش الديمقراطي، ولا سيما بالاجتهاد البناء، في إطلاق جيل جديد من الإصلاحات والمشاريع، يعزز المكتسبات، ويعطي دفعة جديدة لتحسين مؤشراتنا الاقتصادية والاجتماعية.
كما أن هذه السنة تصادف مرور ثلاثين عاما على إقرار الميثاق الجماعي لسنة 1976، الذي تمت مراجعته وتطويره سنة 2002. وهي مناسبة يتعين علينا أن نجعل منها محطة لتقويم تجربتنا، في مجال الديمقراطية المحلية، لاستشراف ما نسعى إليه، من توسيع نطاق الممارسة الديمقراطية، وتحقيق نجاعة السياسات والبرامج العمومية.
وفي هذا الصدد، يتعين علينا إعطاء نفس جديد لمسار اللامركزية والجهوية، والعمل على أن يصبح التدبير اللامتمركز، بوصفه لازمة لخيار اللامركزية، قاعدة أساسية في جميع القطاعات العمومية، ومقوما ضروريا للحكامة الترابية الجيدة.
شعبي العزيز،
إذا كان هناك من ميدان يتطلب رسوخ الثقة وقوتها، فهو ميدان التنمية الاقتصادية والبشرية، التي جعلنا منها السند القوي للبناء الديمقراطي.
فبفضل الإصلاحات الاقتصادية، والمشاريع الهيكلية الكبرى التي أطلقناها، والأخذ بمبادئ الحكامة الجيدة؛ استطاعت بلادنا إحراز ثقة شركائها، من ممولين ومستثمرين وفاعلين اقتصاديين. وإننا لنسجل بارتياح، تزايد حضورهم وإسهامهم في أوراش المغرب الكبرى، وفي دينامية الاستثمار، وخلق فرص الشغل.
ومن شأن هذه الحركية التنموية أن تقوي عزمنا، على مواصلة مسيرة بناء اقتصاد عصري تنافسي، مندمج في الاقتصاد العالمي، ومستفيد مما يتيحه مجتمع المعرفة من إمكانات، لترسيخ وتيرة النمو، وللتواجد في الأسواق الدولية، وفي المجالات الجديدة وذات القيمة المضافة العالية. وهذا ما قمنا به، عبر تركيز الاهتمام على بعض القطاعات الرائدة، كالسياحة والأنشطة الصناعية والفلاحية والخدماتية، وتلك التي نتوفر فيها على امتيازات تنافسية، عبر تأهيل قطاعنا الإنتاجي، وإعادة هيكلة قطاعاتنا وصناعتنا التقليدية، التي تظل مصدرا مهما للتشغيل، فضلا عن دورها التنموي.
وفي نفس الإطار، فإن ثقتنا في اقتصادنا الوطني، وفي إمكاناتنا، تتجسد أيضا من خلال المجهود الذي تبذله الدولة، للرفع من عدد البنيات التحتية للمملكة وجودتها، سواء تلك التي تقتضيها التنافسية الدولية والجهوية، كالطرق السيارة، والموانئ الكبرى، والمحطات السياحية الشاطئية، أو تلك التي يتطلبها واجب التأهيل الاجتماعي والترابي، من قبيل برامج السكن الاجتماعي، والماء الصالح للشرب، والكهرباء والطرق القروية.
ومن منطلق إيماننا الراسخ بالدور النوعي، للبحث العلمي والتقني في خدمة التنمية، وولوج مجتمع المعرفة والتكنولوجيا، فقد أشرفنا على تنصيب أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، واثقين مما يزخر به بلدنا من كفاءات وطنية واعدة، داخل المغرب وخارجه، ومن التزامهم الصادق بالإسهام الفاعل في بناء مستقبل وطنهم.
وإدراكا منا بأن الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي، لا يمكن تحقيقه ما لم تتحرر فئات عريضة من المواطنين المغاربة، من الفقر والإقصاء والتهميش، ومما يحول دون مشاركتهم الاجتماعية، على قدم المساواة، والتمتع بالحقوق وأداء الواجبات، فقد جعلنا من تحرير طاقات وإمكانات بلادنا، ومن التلاحم والتضامن الاجتماعي، قاعدة لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة
وفي هذا الإطار، نعرب عن اعتزازنا بما حققته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بعد سنة من إطلاقها، من مشاريع تنموية واعدة، وبانخراط متميز للمواطنين والمنتخبين وفعاليات المجتمع المدني في برامجها، الكفيلة بتدارك التفاوتات الاجتماعية والمجالية
وكما أكدنا في كل مناسبة خاطبناك فيها، شعبي العزيز، على الطابع الاستراتيجي والاستعجالي لمسألة التربية والتكوين، فإننا ندعو، من جديد، كل الفاعلين القطاعيين والقوى الحية للأمة، وكافة المواطنين الغيورين على مستقبل المدرسة المغربية، إلى المزيد من التعبئة، لإنجاح مسلسل الإصلاح التربوي، ومواجهة ما يعترضه من صعوبات. ولهذه الغاية، عملنا على إرساء المجلس الأعلى للتعليم، الذي نريده أن يكون فضاء للتشاور والحوار، وتجسيدا حقيقيا للتعامل مع قضية التربية والتكوين، كشأن يهم جميع المغاربة بدون استثناء. ومن هذا المنطلق، فقد آن الأوان للحسم في شأن هذا الملف، وإعطائه الدفعة القوية التي تتطلبها المرحلة، والشحنة التي يستدعيها واجب تأهيل رأسمالنا البشري، وتهييء الغد الأفضل لأبنائنا.
شعبي العزيز،
إن مختلف الخيارات الاستراتيجية الوطنية تتوافق، بصفة جوهرية، مع التزاماتنا الدولية، في تناسق بين سياستنا الخارجية والداخلية، بما يجعل التطور الديمقراطي لبلدنا، يدعم إشعاعه الجهوي والدولي
وفي هذا الصدد، نسعى دوما إلى بلورة برامج ملموسة مع البلدان الإفريقية الشقيقة، ترتكز على التضامن وتقاسم التجربة، وتستجيب للحاجيات المحددة للسكان
ويعد المؤتمر الوزاري الأورو-إفريقي الأول حول الهجرة والتنمية، تعبيرا آخر عن روح التزامنا داخل محيطنا الإفريقي، وتأكيدا قويا على ضرورة معالجة قضايا الهجرة، وفق مقاربة شمولية، وبروح المسؤولية المتقاسمة والتنمية المشتركة.
كما أن تشبث المغرب الصادق بحقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالمياً، والمكاسب الكبيرة التي حققها في هذا المجال، قد حظيت بالاعتراف الدولي، من خلال انتخاب بلدنا في مجلس حقوق الإنسان الجديد، التابع للأمم المتحدة، واختياره نائباً لرئاسة هذا المجلس، باسم قارتنا الإفريقية
ومن منطلق الثقة والمصداقية التي يحظى بهما المغرب، جهويا ودوليا، فإنه يظل شريكا فاعلا في مسلسل السلام بالشرق الأوسط، رغم الصعوبات القائمة. وفي هذا السياق، نعرب عن انشغالنا البالغ بالتطورات الخطيرة، التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتنديدنا الشديد بالاعتداءات السافرة التي تقوم بها الآلة العسكرية الإسرائيلية، ضد المدنيين الفلسطينيين، ومنشآتهم الحيوية ومؤسساتهم
وأمام هذه التحديات والممارسات العدوانية، على أشقائنا الفلسطينيين تحقيق المزيد من وحدة الصف، وتوطيد عرى الوفاق والتلاحم الوطني
وإننا لنناشد المجتمع الدولي، وعلى رأسه الرباعي الراعي لعملية السلام بالشرق الأوسط، إلى بذل قصارى الجهود، لوضع حد لهذه الأزمة، والعودة إلى طاولة المفاوضات، باعتبارها السبيل الأوحد لإقرار سلام عادل شامل ودائم، يكفل لكافة شعوب المنطقة، العيش جنبا إلى جنب في أمن ووئام، ويضمن للشعب الفلسطيني الشقيق استرجاع حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة، القابلة للحياة، وعاصمتها القدس الشريف، وفق قرارات الشرعية الدولية، و"خارطة الطريق"، ومبادرة السلام العربية
وبصفتنا رئيسا للجنة القدس، فإننا لن ندخر جهدا لصيانة الهوية التاريخية العريقة لهذه المدينة المقدسة، كأرض للتعايش، بين الأديان السماوية، سواء في المحافل الدولية، أو من خلال إعطاء دفعة جديدة لوكالة بيت مال القدس الشريف، مطالبين المجتمع الدولي، بتحمل مسؤولياته الكاملة، لوقف انتهاك الأماكن المقدسة، واحترام الوضع القانوني لمدينة القدس الشريف وبقدر ما نؤكد على ضرورة مواصلة الجهود، لإيجاد حل شامل للصراع العربي الإسرائيلي، فإننا ندين، بكل شدة، العدوان الإسرائيلي على لبنان الشقيق، والاستعمال المفرط للقوة العسكرية من قبل إسرائيل ضده، وتدمير بنياته التحتية ومنشآته الحيوية. كما أن المملكة المغربية ترفض اللجوء إلى العنف والعنف المضاد، وتشجب كل العمليات التي تستهدف المدنيين الأبرياء، أينما كانوا وإننا إذ نعرب عن قلقنا المتزايد تجاه هذه التطورات المأساوية، لندعو المنتظم الأممي إلى اتخاذ القرارات الحازمة، الكفيلة بتجنب مخاطر التصعيد، واتساع العمليات العسكرية في المنطقة، ووضع حد لخرق القانون الدولي والمواثيق الدولية وبنفس الإرادة الصادقة، فإن المغرب يدعم كل الجهود الرامية إلى مساعدة العراق الشقيق على تجاوز محنته، وبناء مؤسساته الوطنية، الكفيلة بإعادة الأمن والاستقرار، وتحقيق التنمية لشعبه، في احترام تام لوحدته الوطنية والترابية
ومن جانب آخر، فقد عملنا هذه السنة، على توطيد شراكتنا الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، معربين عن ارتياحنا للتنفيذ الجيد والمحكم لمختلف جوانب مخطط العمل المعتمد في هذا الشأن، والذي نتمنى أن يسير في اتجاه بروز شراكة قوية، متجددة ومتعددة الأشكال، ترفع علاقاتنا مع الاتحاد الأوروبي إلى مستوى "الوضع المتقدم" المقترح من جانب جلالتنا
وبنفس المنظور والحيوية، فإننا نواصل جهودنا لتكثيف وتنويع علاقات شراكاتنا البناءة، مع باقي الدول الأوروبية والأمريكية والأسيوية، وفق دينامية منفتحة ومتكاملة ومنسجمة
ومن منطلق إيماننا بالسلام والتضامن والشراكة، فإننا نبذل قصارى جهودنا، بكل عزم ووضوح، لبناء صرح اتحاد المغرب العربي، اعتباراً لروابط الأخوة المتجذرة، ولوحدة التاريخ والحضارة والمصير التي تجمع شعوبنا الشقيقة، وبالنظر لحتمية الوحدة والتكتل، التي أضحت ضرورة ملحة في الظرفية الدولية الراهنة. وسنظل أوفياء لروح ومنطوق معاهدة مراكش التأسيسية، الهادفة إلى التكامل والاندماج، في احترام للخصوصيات والثوابت الوطنية لكل من دولنا الخمس، وانفتاح طموح لمنطقتنا على جوارها الإقليمي وشركائها الدوليين.
شعبي العزيز،
إن كسب رهانات المغرب الآنية والمستقبلية، رهين بتسلحنا بالثقة الكاملة في الذات، وبإيماننا الوطيد، وبأنه رغم الصعوبات والإكراهات، فإن مستقبلنا يظل بين أيدينا. ذا، فإن علينا كأمة عريقة التاريخ، أن نؤمن إيمانا قويا بصواب اختياراتنا، وأن نعتز أشد ما يكون الاعتزاز، بما نخطوه من خطوات ثابتة، على درب التنمية والديمقراطية. كما يتعين على نخبنا السياسية والفكرية، وعلى الفاعلين الجمعويين والاقتصاديين، أن يعطوا المثال، بالتزامهم الصادق بقضايا الأمة وطموحاتها، وبانخراطهم الموصول في الأوراش التنموية للبلاد
إن ثقة المغاربة في بلدهم، و الثقة فيما بينهم، والثقة في دولتهم وفي مؤسساتها، وتحليهم بفضائل الاجتهاد والمثابرة وطول النفس، لهو السبيل الذي لامحيد عنه، لتحرير المستقبل وفتح آفاقه. وتلكم بالأساس، ركائز مناعتنا وقوتنا في مواجهة ما قد يعتري مسيرتنا من صعوبات وإكراهات. فليكن إيمانك - شعبي العزيز - بهويتك الوطنية الموحدة، الغنية بتعدد روافدها، وثقتك في مستقبلك وإمكاناتك ومشروعك الوطني، إيمانا ثابتا وراسخا في التزامك بمسيرتك، وبالمواعد التي تعاهدنا عليها سويا، من أجل مغرب متضامن ومتقدم. وبقدر إيماننا وثقتنا في حيوية المجتمع المغربي، بنسائه ورجاله، وخاصة بشبابه، فإننا نجدد لك التزامنا، شعبي العزيز، بما تمليه علينا العروة الوثقى، التي تربطنا بك، وتربط الشعب بالعرش، من حرص على مصالحك العليا، وإرادة صادقة في قيادتك على مسار الكرامة والتقدم. تلكم هي إرادتنا التي لا تهن، والتزامنا الذي لا يلين. وما ذلك على أمتنا، بتوفيق من الله، بعزيز
"رب هب لي حكما، وألحقني بالصالحين، واجعل لي لسان صدق في الآخرين" صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".