"إن هذا المعرض المنظم بمبادرة من المتحف اليهودي في نيويورك ليعتبر إشادة وإنصافا لإحدى أكثر التجارب روعة في التسامح والود التي شهدها عصرنا وهي تجربة يتعين أيضا النظر إليها كأحد الدروس المشجعة لحداثتها الضاربة جذورها في التاريخ والذاكرة التي يتقاسمها مسلمو ويهود المغرب.
إن التفاهم والإحترام المتبادل اللذين يميزان امتزاج ثقافتيهما قد بلغت حدا من القرب والواقعية إلى درجة أن جدنا المنعم جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه رد على النازيين الذي طاردوا اليهود في المغرب بقوله"في المغرب ليس لدينا سوى مغاربة".
وإن العلاقات بين مجموعتينا لتنعكس بشكل جلي على التراث الثقافي للمملكة. ولعل الهندسة المعمارية للمساجد والمعابد وكذلك الموسيقى والزخارف المستعملة في النسيج والجبص لخير دليل على الإبداع والتقاليد المشتركة.
ففي جنوب المملكة أفرزت ألفا سنة من التعايش والتساكن بين البربر واليهود انصهارا لأنماط التعبير الثقافي تجلى على مستوى الزي و الحلي بل أحيانا تقاسم الأمكنة ذاتها من أجل أداء الصلاة والعبادة.
واليوم فإن المسلمين واليهود بصدد إتاحة الفرصة لميلاد ثقافة جديدة التي أضحت بعد ما رأت النور في فاس والرباط والصويرة ومراكش تتغذى من خلال الوشائج الدائمة التي تربط اليهود المغاربة حيثما وجدوا بالشعب والأرض المغربيين.
وهكذا فإن العشق الذي يكنه اليهود المغاربة في كل بقاع العالم لوطنهم تجلى في ولائهم وتشبثهم المكين بوالدنا المنعم جلالة الملك المغفور الحسن الثاني وتترجمه اليوم أيضا زياراتهم المتكررة للمملكة فضلا عن تشبثهم الراسخ بالتقاليد المغربية. فسواء كانوا في باريس أو كاراكاس أو مونريال أو إسرائيل فإن العرسان اليهود المغاربة يرتدون بكل فخر أزياء جرى تطريزها في طنجة أوالرباط أوتطوان مع الحفاظ بكل دقة على طقوس حفل الزفاف تماما كما كان يفعل أباوءهم.
إن تعظيم الأولياء الصالحين الذي يعتبر أحد العناصر الأساسية في الثقافة الاسلامية واليهودية يعد عنصرا أساسيا في تعلق اليهود المغاربة بأرض أسلافهم.
لكل هذه الإعتبارات يكرم المتحف اليهودي في نيويورك من خلال هذه العرض ماضيا غنيا ومشرقا كما أنه يعبر من خلال هذه التظاهرة عن حقيقية أزلية في العلاقات التي مافتئ المغاربة واليهود يغذونها ويقوونها.
محمد السادس
ملك المغرب ".