( تلى الرسالة الملكية السيد مزيان بلفقيه مستشار جلالة الملك)
" الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
حضرات السيدات والسادة،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، يطيب لي أن أتوجه بهذه الرسالة إلى المشاركين في الدورة الرابعة لملتقى تكاملات الاستثمار، مرحبا بهم في بلادنا ومهنئا إياهم على اختيارهم موضوع "التربية والتكوين والشغل: تحديات الاستثمار" محورا لهذا الملتقى.
كما أتوجه بتحية خاصة إلى ضيف الشرف لهذه الدورة، جمهورية الهند، منوها بأواصر الصداقة التي تجمع بلدينا.
وإن مقاربتكم لموضوع هذه الدورة، المتمثل في تحديات الاستثمار، من زاوية التربية والتكوين والشغل، لهو من بين القضايا الكبرى التي تسترعي الانتباه في الوقت الراهن، فضلا عن كونه يمثل أحد الرهانات المستقبلية ويشكل فرصة سانحة لفتح نقاش من شأنه تحسيس الجميع بما ينطوي عليه الاستثمار في بلادنا من انشغالات وطموحات ونجاحات، ولاسيما بالنظر إلى مساهمة هذه التظاهرة الهامة من خلال المواضيع المطروحة للنقاش على مر دوراتها، وإلى مستوى الفاعلين والخبراء المشاركين فيها.
وإذا كانت قيمة العنصر البشري تحدد اليوم مدى جاذبية البلد لاستقطاب الاستثمارات الواردة عليه وطبيعتها، فإن له في المقابل، انعكاسات هامة، بل وحاسمة، على منظومة التربية والتكوين فيه.
حضرات السيدات والسادة،
تتموقع قضية التربية والتكوين في صلب مشروعنا المجتمعي وفي صميم ما يحدونا من طموح لجعل المغرب بلدا ينعم بالرخاء الاقتصادي ويتحلى بخصال التآزر والتضامن الاجتماعي. ومن هذا المنطلق، جعلنا منذ اعتلائنا عرش أسلافنا، هذه المسألة في صدارة الأولويات الوطنية، بعد قضية وحدتنا الترابية. حيث قمنا بإطلاق ورش ضخم لإصلاح منظومتنا التربوية، التي هي الآن قيد الإنجاز، وذلك على الرغم مما يواجه هذه العملية من تعقيدات وصعوبات.
وإن انخراطنا في مسلسل إصلاح وتحديث منظومة التربية والتكوين لا يعادله إلا اقتناعنا بأن بناء مستقبل المغرب لن يتأتى إلا باندماجه القوي في اقتصاد ومجتمع المعرفة. لذا، فإن الطموح الذي يحدونا هو أن نجعل من الاقتصاد المغربي اقتصادا صاعدا، مندمجا في المنظومة الاقتصادية العالمية، قائما على أسس المعرفة، مهتبلا للفرص التي تتيحها العولمة وقادرا على اجتذاب الأنشطة المعروفة بقيمتها المضافة العالية. فذلكم إذا هو المقصد الذي نروم بلوغه من خلال توحيد الطاقات الوطنية والمشاريع التي يحملها إلينا أصدقاؤنا وشركاؤنا الأجانب.
واعتبارا منا لكون التربية والتكوين والشغل من القضايا الوطنية التي تهم الجميع، ولا تقتصر على الدولة أو القطاع الخاص. أشرفنا مؤخرا على تنصيب المجلس الأعلى للتعليم جاعلين من هذه المؤسسة الدستورية التي تضم في عضويتها ممثلين عن كافة الفاعلين والمتدخلين في شؤون التربية، آلية ديمقراطية لخلق فضاء يتسع لاحتضان نقاش حر وتعددي من أجل تقديم اقتراحات بناءة، إلى جانب القيام بتقييم يقظ لمنظومتنا التربوية.
ولن يتأتى لنا خلق المزيد من الثروات، والرفع من إمكانية اندماج الشباب في الحياة العملية ومن فرص التشغيل ومحاربة البطالة، إلا من خلال الملاءمة باستمرار بين تفعيل المنظومة التربوية وبين نظم الإنتاج.
ذلكم هو الدافع الذي ننطلق منه في إطار العمل الذي نقوم به بخطى حثيثة على ثلاثة مستويات، وهي بالتحديد ضمان جودة التربية الأساسية باعتبارها إحدى الأولويات التي يقوم عليها التزامنا بالرفع من مستوى التنمية البشرية وترسيخ قيم الديمقراطية والمواطنة والتضامن؛ ثم التكوين المستمر والمتجدد على مدى الحياة؛ فالتعليم العالي والبحث والإبداع هي المجالات الثلاثة التي لا مناص منها لتحقيق الاندماج في اقتصاد المعرفة المعولم.
لذا، فإننا نولي أهمية قصوى للاستثمار في مجال العنصر البشري، وكذا في مجال التربية والتكوين، انطلاقا من اقتناعنا بأن رفاه الأمم وازدهارها يعود، في جانب كبير منه، إلى ما تتوفر عليه من مؤهلات فكرية وقدرة على التحكم في مقومات العالم الافتراضي غير المادي، وامتلاك ناصية المعارف. فتلكم بالتحديد هي المجالات التي تتيح أكبر قدر من الفرص، على الرغم مما تتسبب فيه، بالموازاة، من بروز أشكال جديدة للإقصاء وتكريس للتباعد بين الدول والمناطق عبر العالم.
لذا، فإننا بقدر ما نعمل على جعل منظومتنا التعليمية قادرة على رفع تحديات الاستثمار، وذلك من خلال ضمان جودة مضامينها التربوية، وكذا الكفايات والقيم التي تروم تلقينها للمتعلمين، كالانفتاح وروح المبادرة، فإننا نتطلع في الوقت ذاته إلى جعل قطاع التربية والتكوين قطاعا ذا جاذبية استثمارية، مساهما في الأوراش الرامية إلى تأهيل العنصر البشري، في إطار من التناسق مع السياسات الوطنية المتبعة في هذا المضمار، والانسجام مع قيم ومبادئ التضامن وتكافؤ الفرص. كما ندعو القطاع الخاص والإدارات المعنية إلى العمل، في إطار من الانسجام الفكري والأسلوب الاستشرافي، بشأن ما يجدر ملاءمته أو إعداده في هذا المجال، وبما يتناسب مع طبيعة المهن والوظائف والمعارف التي ستبرز في المستقبل.
وتحقيقا لهذا الغرض، يجدر ببلادنا الاستفادة القصوى من الفرص العديدة التي تتيحها الوسائل التكنولوجية الحديثة وحركة التنقل على الصعيد العالمي بالنسبة للأطر العلمية والتقنية، وكذا ظهور أسواق جديدة. مع الأخذ بعين الاعتبار الرصيد البشري الذي يجسده المغاربة المقيمون في الخارج.
حضرات السيدات والسادة،
إن الكثيرين منكم، أيها المشاركون في هذه التظاهرة، قد وضعوا ثقتهم في بلادنا وفي اقتصاده، ذلك أن العديد منكم اختار الاستثمار في المغرب والإقامة فيه والإسهام، بالتالي، في دعم حيويته ومد إشعاعه. فلكم أتوجه بأزكى عبارات الامتنان، مؤكدا لكم عزمنا القوي المضي قدما في مضاعفة الجهود، مع شركائنا الحاليين والمحتملين وبالاعتماد عليهم، لجعل المغرب وجهة متميزة للمستثمرين، مستقطبة للرساميل والكفاءات والأنشطة الاقتصادية الجديدة.
وفي هذا الصدد، وعلى الرغم من الصعوبات التي لا تزال قائمة، فإننا نعرب عن ارتياحنا للنتائج التي تحققت لنا على مستوى وضع الإطار الماكرو اقتصادي وتبسيط المساطر واعتماد البرامج القطاعية المستقبلية وتشييد البنى الأساسية ذات التنافسية، واتخاذ التدابير التحفيزية للفعل الاستثماري. كما نعمل، في نفس الإطار، من أجل تحديث منظومة الحكامة في بلادنا، من خلال الإصلاحات المؤسساتية والنهوض بالحريات وتحديث منظومتنا الإدارية والقانونية والقضائية.
وسنظل نصغي إلى جميع المقاولات والأشخاص الذين يثقون ببلادنا، ويتجاوزون الانشغال بمردودية استثماراتهم، على مشروعيته، ليتقاسموا معنا ما يحدونا من طموح لوضع المغرب على درب التقدم والتنمية.
ذلكم، إذن، هو ما نتطلع إليه ونأمل أن يتحقق خلال أشغال الدورة الرابعة لملتقى تكاملات الاستثمار، راجين لكم كامل النجاح والتوفيق
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ".