(ألقى الخطاب وزير الشؤون الخارجية والتعاون السيد محمد بن عيسى)
"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
السيد رئيس جمهورية رومانيا،
حضرات السيدات والسادة رؤساء الدول والحكومات،
السيد الأمين العام للمنظمة الدولية الفرنكفونية،
حضرات المندوبين الأفاضل،
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا أن نتقدم بخالص عبارات الشكر والتهنئة لفخامة السيد ترايان باسيسكو، رئيس جمهورية رومانيا، وكذا للسلطات والشعب في هذا البلد الصديق، لما بذلوه من جهود كبرى، بمناسبة انعقاد القمة الحادية عشر للفرنكفونية.
إن اختيار بوخاريست لاحتضان هذه القمة لهو خير دليل على تجذر لغتنا المشتركة في رومانيا لما يزيد عن قرنين من الزمن. كما أنه مناسبة طيبة للتنويه بذوي الأهلية العالية من الفرنكفونيين في هذا البلد، أمثال بانيت إيستراتي وسيوران والمسرحي الشهير إيو نيسكو.
كما نود الإشادة على وجه الخصوص، بالجهود التي بذلها أخونا رئيس جمهورية بوركينافاسو، السيد بليز كومباوري، لمتابعة وتفعيل القرارات التاريخية الصادرة عن قمة واكادوكو.
ونغتنم هذه المناسبة أيضا، للتنويه بالسيد الرئيس عبدو ضيوف، الأمين العام للمنظمة الدولية للفرنكفونية، لما أبان عنه من التزام ثابت، ودينامية في العمل، مما مكن منظمتنا، بفضل خبرته وحكمته وبعد نظره، من الانتقال بها إلى مستوى يتيح لها مواكبة تحديات القرن الحادي والعشرين.
وبعد سنتين من قمة واكادوكو، ها هي الأسرة الفرنكفونية تلتئم في بوخاريست، في لقاء حاسم من أجل نسج المزيد من الوشائج الوثيقة، بين مكونات الفضاء الفرنكوفوني العالمي.
ويأتي لقاؤنا اليوم، في سياق حدثين بالغي الأهمية، وهما حلول الذكرى العشرين للقمة الأولى للفرانكفونية، التي انعقدت عام 1986 في فرساي، والذكرى المئوية لميلاد أحد المؤسسين الأفذاذ للفرانكفونية، الرئيس ليوبولد سيدار سنغور، ذلك المثقف ورجل الدولة الكبير، الذي حرص المغرب، كباقي الدول الأعضاء داخل أسرتنا الفرنكفونية، على إحياء ذكراه هذه السنة.
إن الفرنكفونية مدعوة إلى الاضطلاع بدور وحدوي أكثر فعالية، لبناء فضاء قابل للحياة، غزير العطاء وفسيح الآفاق. كما يتعين عليها الدفاع عن تصور لعالمنا يتسم ببعده الإنساني. فالورش الذي ندشنه جميعا اليوم، لا تعادله إلا تطلعاتنا المشروعة، إلى جعل فضائنا الفرنكفوني منطقة للتعاون والتنمية المستدامة المشتركة.
إن امتلاك مقومات الحداثة والتنمية المستدامة، وترسيخ القيم الديمقراطية، لهو عمل شاق ينطوي على إكراهات جمة، مما يستنهض همة المنظمة الفرنكفونية للاضطلاع بمهامها وأداء رسالتها.
إن أي دولة ديمقراطية لا يمكن تصورها إلا بوصفها دولة مواطنة . فالمواطنة تعد حجر الزاوية في بناء صرح الديمقراطية. لذا، يتعين على الفرنكفونية أن تركز عطاءها في هذا المضمار على النهوض بمبادئ وقيم الديمقراطية وحوار الثقافات، لاسيما من خلال التربية التي هي أساس كل تنمية، والتي تعد بالتالي حقا جوهريا. وبما أن التربية تحمل في ثناياها مفهوم التنوع اللغوي والثقافي، الذي يفضي إلى احترام الهويات، فإنها يجب أن تنطوي أيضا على المفهوم المحوري، القائم على الاعتراف بالآخر، والمندرج في صميم الديمقراطية وثقافة السلم."
" السيد الرئيس،
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
تثير العولمة في الوقت الراهن نقاشا دائما، وغليانا فكريا شديدا، كما تؤجج في بعض الأحيان مشاعر الخوف والتوجس والنفور. فهي بالتالي تطرح تحدياً حقيقياً، يكمن في تفادي الوقوع في فخ الإقصاء أو الاستسلام أمام الفوارق الصارخة بين الأفراد. وحتى لا تصبح عولمة الاقتصاد عاملا لتهميش الضعفاء والمعوزين، فإنه يتعين علينا أن نحول دون ذلك. وعلى العكس، يجب أن تكون ذات بعد إنساني، وتسهم بالتالي في تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وتفادي تعميق "الفجوة الرقمية".
ويكمن الدور الرئيسي المنوط بالفرنكفونية النشيطة، المتحمسة في الدفاع عن مفهوم التنوع، ونهج سبل التعاون اللازمة، لتمكين أعضائها الأقل نماء من استدراك ما فاتهم في مجالات التربية والتكوين، واكتساب التكنولوجيا الحديثة.
وإذا كانت التقنيات الحديثة للمعرفة والاتصال، المندرجة في صميم جدول أعمال قمتنا، تنم عن رؤية استراتيجية متبصرة للتعامل مع مسلسل العولمة، الذي لا رجعة فيه، فإنها تنطوي كذلك على مؤهلات رفيعة للإبداع التربوي، فضلاً عن كونها خزانا يكاد لا ينضب، لإفراز معطيات جديدة، كفيلة بالنهوض بنظمنا التعليمية على الوجه الأكمل، ورفع التحديات الجديدة، التي يطرحها مجتمع المعرفة، في مطلع الألفية الثالثة.
وإذا كان مجتمع الإعلام يقوم على استخدام التقنيات الحديثة للإعلام والاتصال، فإن مجتمع المعرفة ينبع من المعارف المكتسبة من خلال التربية، التي بدونها قد يبقى في الإعلام ما هو نافع ومجد، لكن دون أن يكون له وزن كبير.
ووعياً منا بهذا الواقع، فقد عملنا على أن تنخرط المملكة المغربية في عملية إصلاح عميقة لمنظومتها التعليمية، لاسيما من خلال تعزيز وتوسيع دائرة استعمال تكنولوجيا الإعلام والاتصال، كالتقنيات متعددة الوسائط والإنترنيت، داخل سائر مؤسساتها المدرسية. وتتوخى هذه الاستراتيجية الشاملة المصطلح عليها ب " - Maroc " (المغرب الإلكتروني) بلوغ هدفين أساسيين. أولهما يتجلى في تقليص "الفجوة الرقمية"، وثانيهما تمكين المغرب من موقع متقدم في السلم العالمي، في مجال التكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال.
وقد تجلى الجهد الموصول الذي يبذل لجعل المدرسة قاطرة من القاطرات التي لا غنى عنها، في تحقيق التنمية المستدامة، في بلورة البرنامج الوطني المسمى "عبقري"، والرامي إلى وضع التقنيات الجديدة للإعلام في متناول أزيد من 6 ملايين تلميذ، وكذا التصدي "للفجوة الرقمية" المواكبة للفجوة الأبجدية، باعتبارها آفة اجتماعية حقيقية.
وبالموازاة مع ذلك، أعلن المغرب عن قراره بأن تكون الفترة الممتدة بين 2000 و2010 ميثاقا للتربية والتكوين، وهو عبارة عن مشروع مجتمعي حقيقي، يتمحور حول مجموعة من الأولويات، كمحاربة الأمية، وتحسين جودة التعليم، وحسن الحكامة في المنظومة التربوية والتكوين المهني.
إن التزام المغرب الثابت بمواصلة إصلاح التربية واقتراح حلول ناجعة للصعوبات المطروحة والمحتملة، قد تجلى أساسا في تنصيب المجلس الأعلى للتعليم، الذي أحدث يوم 14 شتنبر 2006، وكذا في إطلاق البرنامج الوطني لتعميم تقنيات الإعلام والاتصال داخل المؤسسات التعليمية، ابتداء من شهر شتنبر 2006".
"وفي هذا السياق، جاء منح كل من جائزة كونفوشيوس لليونيسكو لمحو الأمية، والجائزة الكبرى الإنسانية لفرنسا لسنة 2006، لوزارة التربية الوطنية في المغرب، تثمينا لجودة البرامج المعتمدة، والتطور الحاصل في هذا القطاع الاستراتيجي ببلادنا.
وتجدر الإشارة إلى أن الإصلاحات سالفة الذكر، تندرج ضمن باقة أوسع من الإصلاحات، تم إطلاقها في مايو 2005 والمعروفة "بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية". وهي عبارة عن عملية حقيقية لإعادة الهيكلة، تضع الإنسان في صلب المسار التنموي، مع التركيز على محاربة الأمية والفقر والإقصاء.
السيد الرئيس،
أصحاب المعاليٍ والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
تولي بلادنا اهتماما خاصا للقرارات التي ستتمخض عن قمتنا، إذ أنها ستشكل، إلى جانب الالتزامات التي تم اتخاذها في واكادوكو في شهر نونبر 2004، خطة عمل حقيقية تقوم من جهة على تعزيز وتمتين المبادلات بين الدول الأعضاء في منظمتنا، ومن جهة أخرى، على نشر ثقافة جديدة تتمحور حول ترسيخ قيم السلم والاستقرار وحوار الحضارات.
وفي هذا الصدد، فإن المغرب يرحب بالالتزامات الصادرة عن مؤتمر سان بونيفاص، بشأن الوقاية من النزاعات والسلامة البشرية، إذ من شأن التوصيات التي انبثقت عن هذا المؤتمر، أن تبرز بمزيد من الوضوح، ما تضطلع به المنظومة الفرنكفونية من أعمال في هذا المضمار، وضمان إسهامها الفاعل في النقاشات الكبرى التي تستوقفنا جميعا.
كما نود الإشارة إلى أن وحدة التصور التي تجمعنا، والثقة المتبادلة القائمة بيننا، وواجب التضامن، كل ذلك، حدا بالمغرب على الدوام، إلى إرسال تجريدات لتحل بالدول الفرنكفونية، لاسيما جمهورية الكونغو الديمقراطية وكوت ديفوار وهايتي والبوسنة والهرسك وكوسوفو. فمثل هذه الالتزامات قد جعلت المغرب الثاني في البلدان الفرنكفونية المساهمة، والثاني عشر على قائمة الدول التي تمد الأمم المتحدة بالقوات التابعة لها.
وإن المملكة المغربية لتشيد في نفس الوقت، بحيوية الأسرة الفرنكفونية، والتزامها بالعمل على إنجاح مسلسل تفعيل الاتفاقية الخاصة بحماية تنوع التجليات الثقافية وتطويرها. كما تولي أهمية خاصة للمسلسل الذي سيجعل من الاتفاقية المعتمدة من قبل اليونسكو في أكتوبر 2005 أداة للتحفيز على الانفتاح والحوار والتفاهم بين الشعوب.
لذا، فإن لقاءنا اليوم، يشكل فرصة سانحة لتعميق تفكيرنا، والإعراب عن إرادتنا المشتركة لجعل فضائنا الفرنكفوني منطقة للتعاون وتحقيق الرخاء المشترك.
السيد الرئيس،
أصحاب المعالي والسعادة،
حضرات السيدات والسادة،
يتعين علينا، أمام كثرة التحديات، القيام بكل ما في وسعنا للاستفادة المثلى من التطور الكبير الذي تم تحقيقه، وذلك بهدف إعطاء دفعة جديدة للفرنكفونية، واستغلال الإمكانيات والمقومات التي تزخر بها بلداننا، خدمة لسياسة فرنكفونية متناسقة وفاعلة وسائرة بثبات نحو المستقبل. ومما لا شك فيه، أن الإعلان وبرنامج العمل اللذين سنصادق عليهما هنا، سيساهمان بكل تأكيد، في بلوغ هذه المرامي.
ولنا اليقين أن التوصيات التي ستواكب هاتين الوثيقتين، ستشكل "خارطة طريق" بالنسبة لنا، للانخراط جميعا في أعمال ملموسة، من شأنها ترسيخ دعائم فضائنا الفرنكفوني، وتمكين المنظمة الدولية للفرنكفونية من احتلال الموقع الذي يليق بها ضمن باقي المنظمات الدولية.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته."